وقال الشافعي - رحمه الله - :( لما أمر الله تعالى بالكتاب، ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً، احتمل أن يكون فرضاً، وأن يكون دلالة.. ، فلما قال جل ثناؤه :: " فرهان مقبوضة..." والرهن غير الكتاب والشهادة.. ثم قال :" فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه "، دل كتابُ الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشاد لا فرض عليهم ؛ لأن قوله :" فليؤد الذي اؤتمن أمانته " إباحة لأن يأمن بعضهم بعضاً، فيدعَ الكتاب والشهود والرهن.
قال : وأحب الكتاب والشهود ؛ لأنه إرشاد من الله تعالى، ونظرٌ للبائع والمشتري، وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان، أو أحدهما فلا يُعرف حق البائع على المشتري فيتلف على البائع، أو ورثته حقه.
وقد يتغير عقل المشتري.. وقد يغلط فلا يقر ؛ فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدي ما ليس له، فيكون الكتَّاب والشهادة قاطعاً عنهما وعن ورثتهما ) ( ٦٩)
وكل ما سبق يبين أن القضية مثار خلاف، وأن الرؤى فيها لم تتحد، ولكل وجهة هو موليها، لكن السياق الذي وضعت فيه الآية، وهو سياق تهديد ووعيد وزجر، حيث سبقها قوله تعالى :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: ٢٨١)، ولحقها قوله تعالى :( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (البقرة: ٢٨٤).
هذا السياق يميل بالكفة تجاه الوجوب والفرض، حتى لو افترض جدلاً أنه إرشاد وندب..
فالسؤال الذي يطرح نفسه :
هل إذا أرشدنا الله تعالى وندبنا إلى كتابة الدين نستحسن نحن غير ذلك ؟!!!!


الصفحة التالية
Icon