فيسأل القائل : إن قول الله عز وجل :( فإن أمن بعضكم بعضاً ) ناسخٌ قوله :( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) ما الفرق بينه وبين القائل في التيمم وما ذكرنا قوله، فزعم أن ثمَّ ما أبيح في حال الضرورة لعلة الضرورة ناسخ حكمه في حال الضرورة حكمه في كل أحواله، نظير قوله في أن الأمر باكتتاب كتْب الديون، والحقوق منسوخ بقوله :( وإن كنتم على سفر.. ) ؟
فإن قال : الفرق بيني وبينه أن قوله :( فإن أمن بعضكم بعضاً ) كلام منقطع عن قوله :( وإن كنتم على سفر )، وقد انتهى الحكم في السفر إذا عدم فيه الكاتب بقوله :( فرهان مقبوضة )، وإنما عنى بقوله :( فإن أمن بعضكم بعضاً ) ( إذا تداينتم بدين )، قيل له : وما البرهان على ذلك من أصل ٍ أو قياس، وقد انقضى الحكم في الدين الذي فيه إلى الكاتب، والكتاب بقوله :( ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) ؟ !!!!
وأما الذين زعموا أن قوله :( فاكتبوه )، وقوله :( ولا يأب كاتب ) على وجه الندب، والإرشاد، فإنهم يُسألون البرهان على دعواهم في ذلك، ثم يُعارضون بسائر أمر الله عز وجل الذي أمر في كتابه، ويُسألون الفرق بين ما ادعوا في ذلك وأنكروه في غيره، فلم يقولوا في شيء من ذلك قولاً إلا ألزموا في الآخر مثله ) (٧٠ ).
وكلام الطبري- رحمه الله - هو الأقرب إلى السياق لعدة أسباب :
منها :( أن القصد من الأمر بالكتابة التوثق للحقوق، وقطع أسباب الخصومات، وتنظيم معاملات الأمة، وإمكان الاطلاع على العقود الفاسدة، وهذا يجعل الأرجح أن الأمر للوجوب ؛ لأنه الأصل في الأمر، وقد تأكد بهذه المؤكدات.


الصفحة التالية
Icon