نعم ؛ لأن هذا هو المفهوم من ربط التداين أثناء السفر بهاتين الحالتين ؛ إما الأمن، وإما الرهن، حيث يطرح العقل سؤالاً عفوياً : فإن عدم الأمن والرهن ؟
فالجواب : لا تداين.
وهذا يعيدنا إلى القضية التي نحن بصددها، وهي أن الأمر في قوله :( فاكتبوه ) للوجوب، وأن قوله ( فإن أمن بعضكم بعضاً ) لا علاقة له بهذا الوجوب، فالوجوب من دلالة الأمر، ومن نسق التركيب، ومن عوامل أخرى ذكرتها، كما أن واقع الناس الآن يميل إلى هذا الوجوب، فالمخاطر التي تحيط بعلاقات المسلمين عند عدم الكتابة ظاهرة وواضحة، مما يعنى أن كتابة الدين مصلحةٌ للجميع، وغلقٌ لأبواب الشياطين.
وكلام الإمام الشافعي _ رحمه الله تعالى - من أن موت البائع أو المشتري أو نسيانهما أو فساد عقيدة أحدهما، أو جنونه، أو غير ذلك من الأمور التي يمكن أن تعتور الإنسان، كل ذلك يبرهن بجلاء حكمة الوجوب.
وهذا لا يطعن في ذمة أو أمانة أحد، إنما هو للاحتراز والضمان وحفظ الأموال من الضياع.
كما أنه لا يخفى أن المعاملات المادية هي المحك الشديد، وهي الخطر الأكيد على علاقة الأخوة الإسلامية ؛ لذلك كان التأكيد على أخذ الضمانات الحافظة لها...
****
بلاغة الإدماج في قوله -سبحانه- :
(وليكتب بينكم كاتب بالعدل )
وهذه الجملة تفجر عدة أسئلة بلاغية، من أهمها :
١ - ما الإدماج ؟، وما موطنه في الآية ؟، وما وجه جماله ؟
٢ - لَمن الأمر في الجملة ؟ وما وجه العطف بينها وبين سابقتها ؟
٣ - لِم تأخرت هذه الجملة عن سابقتها ؟
٤ - أين مفعول الفعل " ليكتب " ؟ وما وجه تقييد الفعل بقوله :" بينكم " ؟ وبِم تعلق الجار والمجرور " بالعدل " ؟
٥ - هل في الكلام كناية ؟
أما الإدماج : ففي اللغة يدل على " الانطواء والستر، يقال : أدمجت الحبل : إذا أدرجته وأحكمت فتله..." ( ٧٣ )
وفي الاصطلاح :" أن يُضَمَّن كلام سيق لمعنى معنى آخر لم يصرح به " ( ٧٤ )


الصفحة التالية
Icon