" والمعنى الآخر وهو المضمن المدموج يجب ألا يكون مصرحاً به ولا يكون في الكلام إشعار بأنه مسوق لأجله، وإلا لم يكن ذلك من الإدماج " ( ٧٥ )
أما موطنه في الجملة القرآنية فيشير إليها الطيبي فيقول :
" الكلام هنا - يعني في قوله :" وليكتب بينك كاتب بالعدل " مسوق لمعنى، ومدمج فيه آخر بإشارة النص، وهو اشتراط الفقاهة في الكاتب ؛ لأنه لا يقدر على التسوية في الأمور الخطرة، إلا من كان فقيهاً " ( ٧٦ )
والناظر في الجملة يستطيع أن يلحظ بسهولة أنها جاءت لتحديد وتخصيص نوع خاص من الكُتَّاب ليقوم بهذه المهمة، أو إن شئت فقل : لتشترط أداءً خاصاً لهذه الكتابة المأمور بها سابقاً وهي أن تكون كتابةً عادلةً ضامنةً للحقوق، مانعة من التحايل ؛ ذلك لأن الأمر كما قال الطيبي :" خطير "، ولذلك جاز تعلق الجار والمجرور " بالعدل " بكلٍ من الفعل والفاعل، أعني : يجوز تعلقه بالفعل
" يكتب "، ويجوز تعلقه بالفاعل " كاتب ".
فإذا قدرنا تعلقه بالفعل " يكتب " يكون المعنى المدمج هو : وليكتب بينكم كاتب كتابة عادلة، تكون محل ثقة من أهل الاختصاص عند التنازع ؛ بحيث تخلو من الثغرات التي تمكن أحدهما من المراوغة، أو الانفكاك مما في ذمته ؛ فالعدل هنا ناتج عن موافقة الكتابة للشروط الواجب توافرها لضمان الحقوق ؛ فهي صفة للكتابة.
وقد يكون الجار والمجرور متعلقاً بالفاعل " كاتب " فيكون المعنى المدمج هو : وليكتب بينكم كاتب مشهور بالفقه والعدل وعدم الميل إلى هذا أو ذاك، وهذا يعرف من خلال كتاباته السابقة بين الناس ؛ " فالأصل ألا يكتب الوثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد... إذا أقاموا فقهها، أما المنتصبون لكتبها ؛ فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولاً مرضيين، قال مالك -رحمه الله تعالى - :" لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدلٌ في نفسه، مأمون ؛ لقوله تعالى :" وليكتب بينكم كاتب بالعدل ".


الصفحة التالية
Icon