وعلى هذا فالجار والمجرور في موضع الصفة للكاتب " ) ( ٧٧)
"ففقه الكاتب، ومعرفته بأنواع الوثائق معنى مدمج في الجملة، مقصود منها في النهاية.
أما الأمر في الجملة فمتوجه إلى المتداينين، والسر في ذلك :" المبالغة في أمر المتعاقدين بالاستكتاب " ( ٧٨ )
ولا أرى أن الأمر هنا للكاتب لأنه ليس منوطاً بالحكم، كما أنه إما أن يكون أجيراً أو متفضلاً، وفي كلتا الحالتين لا يمكن أمره وإرغامه على الكتابة، لكن الأقرب إلى الفهم هو توجيه الأمر إلى المتداينين أن يبحثا عن كاتب فقيه عدل ليقوم بكتابة الدين، وهذا ما جعل الألوسي - رحمه الله - يقول :" والمراد أمر المتداينين على طريق الكناية، بكتابة عدلٍ، فقيهٍ، ديِّن ؛ حتى يكون ما يكتبه موثقوقاً به، متفقاً عليه بين أهل العلم " ( ٧٩ )
وهو لا يعني هنا الكناية الاصطلاحية، وإنما أراد - كما أفهم - مخاطبة الكاتب وأمره بالكتابة عن طريق المتداينين.
ومن بلاغة ذلك إشعار الكاتب بأهمية الأمر، حتى يرفع الحرج عن المتداينين، ويلبي دعوتهما، ويكتب ؛ لأن رفضه قد يوقعهما في الحرج، لكنه على جميع الأحوال في حل من الأمر، وإن كان الأولى تلبية الطلب ؛ إذ ليس كل من كتب صالحاً لهذه المهمة ؛ لأن الجملة جاءت لتحديد الفقيه، وهذا بلا شك قيد آخر من القيود التي تكاد تعرقل إتمام مثل هذه المعاملات، وهو أمر مقصود، فوضع العقبات في هذا النوع من التعامل قُصد به التضييق عليه ؛ حتى لا يشيع، لما يترتب عليه من أضرار عند التساهل في ضوابطه.
ولقد جمعت الواو بين جملة " فاكتبوه " وجملة " وليكتب بينك كاتب بالعدل " ؛ لأنهما من باب التوسط بين الكمالين ؛ فكل منهما أمر لفظاً ومعنى، وهذا الربط بالواو يشير إلى أن كل جملة من الجملتين تمثل خيطا من خيوط هذا النسيج الواحد، وهي خيوط متشابهة، متشاكلة ترسم في النهاية صورة وغرضاً واحدا تتشابك ملامحه، وتتعانق جوانبه.


الصفحة التالية
Icon