وأخرت جملة " وليكتب بينكم " عن جملة " فاكتبوه " ؛ لأنه لم يكن ثمة هاجس في تحديد الكاتب، إنما الهاجس الذي النفوس، ولا يزال هو :
هل نكتب الدين أم لا ؟
وهل إذا أمن بعضنا بعضاً في الحضر يكتب أيضاً أم لا ؟
هذا هو ما يشغل النفوس، ولا يزال يتردد في الأفئدة حتى صار محل خلاف ؛ لذا، كان تقديمه والتنصيص عليه أولاً قبل تعيين الكاتب.
وإن كنتُ أرى أن تعيين الكاتب ما هو إلا تأكيد للكتابة وفرضيتها، ولو كان الأمر في " فاكتبوه " للإرشاد لتُرك تعيين الكاتب للمتعاقدين ليختاروا مَن يرونه مناسباً ؛ إذ كيف يكون الأمر للإرشاد ثم يؤمرون بتعيين كاتب فقيه عدل ؟‍
وفي حذف المفعول من الجملة شمول وإحاطة لكل ما يتعلق بالدين من قيمة، وموعد سداد..
وفي ذكر المفعول تضييق على هذه المعاني، وضياع لكثير من الضوابط، وفتح باب الخلاف في المقصود من الدين، هل هو قيمته أم ماذا ؟
فالحذف هنا وسّع المعنى، وتساوق مع الروح المهيمنة على الآية الداعية إلى أخذ كافة الضمانات.
وفي الوقت الذي حذف فيه المفعول من جملة "وليكتب بينكم كاتب " نجد في الجملة قيداً مذكوراً، وهو :" بينكم "، وجيء به " حتى لا ينفرد بالكاتب أحد المتعاملين، دفعاً للتهمة " ( ٨٠ )، ويقول الألوسي في علته :" إنما قال " بينكم " ولم يقل " أحدكم " ؛ لأنه لما كان الذي له الدين يتهم في الكتابة الذي عليه الدين، وكذلك بالعكس شرع الله كاتباً غيرهما يكتب بالعدل، لا يكون في قلبه، ولا قلمه موادّة لأحدهما على حساب الأخر.."( ٨١ )
كما أن في هذا اللفظ " بينكم " ما يشير إلى اجتماع الأطراف : الدائن والمدين، وكذلك الشهود ؛ولو
اقتصر الاجتماع على الدائن والمدين والكاتب لقيل : وليكتب بينكما، لكن في صيغة الجمع ما يفيد حضور جميع الأطراف حتى الشهود، وفي ذلك إبلاغ في التوثيق والحيطة.


الصفحة التالية
Icon