وفي مجيء لفظ " كاتب " نكرةً، ثم تعريفه بالصفة، وهي شبه الجملة " بالعدل " قصد إلى المعنيين ؛ أعني : النكرة والمعرفة المخصوصة، فمجيء لفظ " كاتب " نكرة قصد به عدم تحديد كاتب بعينه، أو باسمه، أو بقرابته، وهذا قد يُفهم إن عرِّف اللفظ بغير الصفة ؛ كأن يقال " وليكتب بينك كاتبكم، أو كاتب المسلمين، أو الكاتب، أو نحو ذلك ؛ فمجيء اللفظ - في ذاته - نكرة قُصد به البحث عن الوصف، وليس عن الشخص ؛ ولذلك جاء بعد اللفظ النكرة تعريف لها بالوصف، وهو قوله :" بالعدل ".
وفي هذا الوصف مجاز مرسل علاقته المسببية ؛ لأن المقصود هنا :" وليكتب بينكم كاتب فقيه، عالم بضوابط العقود، وهذا الفقه - بلا شك - سبب في حدوث العدل بين المتداينين.
لكن يبقى السؤال :
لمَ عبّر بالمسبب عن السبب ؟
الذي أراه أن وجه ذلك هو أن الفقه وسيلة للوصول إلى العدل، والعدل غاية، ولما كان الفقه لا يقتصر على معرفة الضوابط الشرعية، بل يشمل معرفة الزمان والمكان والأحوال، وكل ما يوصل إلى العدل عبر بـ " العدل " ليراعي الكاتب كل ذلك، وهذا إيجاز بديع يلفت النظر إلى الغاية من الكتابة، وهي ضمان الحقوق، فيدفع الكاتب إلى الأخذ بها ما دامت في إطار الشرع.
أوجه البيان في قوله تعالى :
" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله "
وهذا حكم جديد متوجه إلى الكاتب، وليس إلى المتداينين، وحمله البعض على الوجوب والفريضة : فرضية عين على الوجوب، وآخرون على أنه فرض عين إذا لم يكن في البلدة غيره، فإذا كان فهو واجب على الكفاية، وحمله البعض على الوجوب حال فراغه.( ٨٢ )
والسؤال الذي يلح على العقل هنا هو :
ما وجه توجيه النهي إلى الكاتب، وإشراكه في زمرة المتعاملين ؟


الصفحة التالية
Icon