إن الجملة تجعل الكاتب فرداً من أفراد هذه المعاملة، حيث تشرط عليه، وتلزمه، وتأمره بالكتابة الحقّة، والكاتب في الواقع أجير يُستدعى لكتابة جميع المعاملات التي يُطلب فيها التوثق بالكتابة والإشهاد، ولا أرى أن هناك خلافاً في أخذ الأجر ؛ لأن الكتابة عمل وحرفة يجوز أخذ الأجرة عليها، وهذا ما نص عليه القرطبي ؛ حيث يقول :" لو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار بها ؛ لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة، ولم يختلف العلماء في جواز أخذ الأجرة على كتب الوثيقة "( ٨٣)
وكلام العلماء في الوجوب والندب والإرشاد بعيد - كما أرى - عن سياق الآية ؛ لأن المطلوب من الكاتب ليس الكتابة العامة، وإنما كتابة خاصة، موصوفة بقوله :" كما علمه الله "، وعلى هذا فالنهي ليس متوجهاً إلى عموم الكتابة، وإنما النهي متوجه إلى هذا القيد ؛ فالكاتب ليس منهياً عن الإباء عموماً، ولكن النهي توجه إليه عند كتابته، ومباشرته الفعل ؛ بمعنى : أن الكاتب إذا أخذ في الكتابة قيل له : لا تأب أن تكتب كما علمك الله ؛ لأن الخطر ليس متوقَعاً إن أبى الكاتب مباشرة الكتابة، بل العكس هو الصحيح ؛ لأنه سيوقف هذه المعاملة، ويرد المال إلى صاحبه، ويعيد السلعة إلى صاحبها، ولكن الخطر يُتوقع إن كتب الكاتب كتابةً تضيع معها الحقوق، تلك هي الخطورة، وهو ما حذرت منه الآية فنهت الكاتب - ليس الإباء عن الكتابة - بل عن عدم الكتابة الحقّة الموصوفة بقوله :" كما علمه الله "، وفرق كبير بين الأمرين.
ولعل أفعال الكثير من المحامين، وهم الذين يكتبون العقود في زمانناً غالباً، لعل أفعال الكثير منهم في بنود تلك العقود، وتغيير بعض الصيغ في العقد، وإضافة أو حذف بعض الكلمات مما يفوت الفرصة على صاحب الحق عند مطالبته بحقه، لعل كل ذلك يشرح لنا المقصود من النهي.
وكم من حقوق ضاعت بسبب هذه الثغرات التي تضمنتها تلك العقود ‍؛ لذا أدخلت الآية الكاتب في


الصفحة التالية
Icon