يقول أبو حيان :" و - كاتب - نكرة في سياق النهي فتعمّ ( ٨٦ )
كما أن في اصطفاء هذا اللفظ [ كاتب ] تذكيراً للكاتب بأن منفعته، وسمعته، ومصداقيته في هذا العمل مرتبط بالعدل، والإنصاف ؛ ولذلك لم يقل : ولا يأب مؤمن، أو مسلم، وإنما قال : كاتب، وكأنه معروف بين الناس بمهنته، فإذا جار أو ظلم، أو مال إلى واحدٍ دون الآخر، فإن مهنته سوف تكون محل تهمة من الناس، فلن يكون كاتباً، بل سيصبح مخادعاً، وسيشتهر بين الناس بقلة ضبطه، أو فساد عمله ؛ فكأن كلمة [ كاتب ] تحذير له بأن مهنته وعمله، ودوام ذلك مرهون بعدله، وضبطه للكتابة، وهذا واضح.
أما اصطفاء المصدر المؤول _ ولا يأب كاتب أن يكتب _ دون الصريح، -كتابته - فلأن الكاتب يراعِي مقام كل حالة، ويعرف الشروط الضابطة لكل نوع، ولمَّا كانت أنواع المداينات ذات
أوصاف مختلفة كان الإلمام بكل حالة، وضوابطها على حدة من لزوميات الكاتب، وهذا يتواءم مع المصدر المؤول الدال على التغير، والتجدد والحدوث، وكل ذلك مفهوم من المضارع " يكتب "، أما لو قيل : ولا يأب كاتب كتابة ما علمه الله، لظُنّ أن هناك صيغة واحدة لجميع العقود، ولَحفظها الجميع، ولاستُغني عن الكاتب، وهذا بعيد.
إذ إن لكل نوع ما يناسبه من صيغ، كما أن لكل حالة ما يتوافق معها من شروط، وضوابط، وأحوال تخالف غيرها.
ومع أن الفعل _ يكتب _ متعدّ إلا أن مفعوله حذف لدلالة السياق عليه.
وختام الجملة يحمل من التفضّل والتشريف للكاتب الكثير ؛ ذاك لأن الجملة جعلت عملية التعليم مباشرة من الله تعالى، فهو كالأنبياء من حيث دوره في الإصلاح، فإذا كان الأنبياء يصلحون عقائد الناس وعبادتهم، فإن الكُتّاب يصلحون أنواع المعاملات بين الناس، والتي قد ينشأ عنها خلاف أو نزاع.


الصفحة التالية
Icon