أضف إلى ذلك : أن اسم الله تعالى في قوله :" كما علمه الله " يحمل من الرهبة والزجر ما يجعل الكاتب يلتزم، كما أنها تشير إلى أن العدول عن هذه الضوابط إساءة إلى هذا العلم، ومن بعد ذلك إساءة إلى المعلم - سبحانه وتعالى -.
وبعد ُ :
فإن هذه الجملة تسير في الطريق نفسه الذي بدأ بوضع القيود، والعوائق أمام هذا النوع من المعاملات، حتى لا يلجأ إليها إلا المضطرون، لما يترتب عليه من حرج، ومن خلاف متوقع بين الناس، فلا توجد نفس سوية تحب أن يكون لها أو عليها حق لأحد، وبخاصة الحقوق المالية، لذلك كثرت الأوامر والنواهي والشروط المعرقلة لهذه المعاملات، ليكون سبيلها سبيلاً حَزَنَاً ينبغي ويحسُن تجنبه، وهذا هو الأقرب إلى الفهم.
***
الكناية في جملة " كما علمه الله "
إن جملة - كما علمه الله - تعني أن " يكتب ما يعتقده، ولا يحجب، ولا يواري ؛ لأن الله تعالى ماعلَّم إلا الحق، وهو المستقرّ في فطرة الإنسان، وإنما ينصرف الناس عنه بالهوى، فيبدلون، ويغيرون، وليس ذلك التبديل بالذي علمهم الله تعالى، وهذا يشير إليه قول النبي - ﷺ :" استفت نفسك، وإن أفتاك الناس " ( ٨٧ )
وهذا يفيد أن جملة " كما علمه الله " جملة كنائية، فهي كناية عن موصوف، وهو الحق الذي ودعه الله تعالى في فطرة كل إنسان، لكنه عبّر عن هذا الحق بتاليه، ورادفه، وهو : ما علمه الله ؛ لأن الله تعالى حين خلق الحق أودعه في نفوس البشر ؛ ليكون مرجعاً، وملاذاً يلوذ به الناس حين تختلط المعايير.
ودمج الصورة التشبيهية بالصورة الكنائية تشعر الكاتب بفضل الله تعالى عليه، ورفع قدره بهذا العلم الذي لا يجيده كل أحد ؛ مما يستوجب عليه شكر هذه النعمة بإعطاء الحقوق والمواثيق كل العناية ؛ حتى تخرج في صورةٍ يرضى عنها الله تعالى.
*****
اجتماع الأمر والنهي على الكتابة


الصفحة التالية
Icon