جاء بعد قوله تعالى :" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " قوله تعالى :" فليكتب ".
وفي المصحف الشريف وضعت علامة الوقف الجائز دون ترجيح، بعد قوله " كما علمه الله "
وهي ( ج )
والنظم يحتمل صورةً أخرى، وأداءً آخر، ويكون بقراءة الجملتين هكذا :
ولا يأب كاتب أن يكتب، كما علمه الله فليكتب
ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله، فليكتب.
ففي الصورة الأولى : الجملتان محمولتان على شبه كمال الاتصال، فلما قيل : ولا يأب كاتب أن يكتب.
قيل : كيف ؟
فأجيب : كما علمه الله فليكتب.
و الصورة الثانية تشير إلى أن جملة " فليكتب " تفريع لتوكيد الأمر المفهوم من قوله " ولا يأب كاتب...
والمعنى العام لا يرفض أياً من الصورتين، لكن الذي يلفت الانتباه أن جملة " كما علمه الله " وقعت واسطة بين الأمر، والنهي، ولنرجع النظر مرة أخرى :
ولا يأب كاتب أن يكتب " كما علمه الله " فليكتب ؛ فالأمر والنهي متعلقان بجملة التشبيه ؛ إذ هي محط النظر، ولب القصد، والغاية من الأمر والنهي.
فالكاتب مأمور بالكتابة، ليست أي كتابة، بل مأمور بالكتابة كما علمه الله.
والكاتب منهي عن الإباء عن الكتابة، ليست أي كتابة، بل هو منهيٌ عن عدم الكتابة التي علمه الله إياها.
وهذا يعني : أن الجملتين _ جملة الأمر وجملة النهي _ تتوجهان إلى شيء واحد، وهو إلزام الكاتب بنوع خاص من الكتابة، وموصوف بأنه على وفق ما أنزله الله وبينه.
ويبقى سؤال هنا، وهو : لم تقدم النهي على الأمر ؟
والذي يظهر لي أن " النهي عن الشيء أقوى في الدعوة إلى الاعتصام منه، وإلى مجانبته، من الأمر بنقيضه( ٨٨ ).
ولذلك جاء في الحديث :
" إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ( ٨٩ )
والقاعدة الأصولية تقول :
" إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "


الصفحة التالية
Icon