، فلما كان الضرر الواقع من الكتابة الباطلة ضرراً بالغاً نُهِىَ عنه أولاً، كما أن تقديم النهي آنس بالسياق المفعم بالقيود، والعراقيل الزاجرة عن التساهل في توثيق تلك العقود.
****
التفريع في قوله تعالى :"فليكتب "
" وهذا التفريع تأكيد للأمر، وتأكيد للنهي أيضاً؛ وإنما أعيد ليرتب عليه قوله :" وليملل الذي عليه الحق " ؛ لبعد الأمر الأول عما وَليَه، ومثله قوله تعالى :" اتخذوه وكانوا ظالمين " بعد قوله تعالى " واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم " ( الأعراف ١٤٨ ). (٩٠ )
والتفريع عند البلاغيين " أن يُثبت حكم لمتعلق أمر بعد إثباته لمتعلق آخر ؛ كقول الكميت :
أحلامكم لسنام الجهل شافية **** كما دماؤكم تشفي من الكلِب
فرّع من وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلِب...
والحاصل أن المراد بتفرع الثاني على الأول كونه ناشئاً ذكره عن ذكر الأول ؛ حيث جعل الأول وسيلة للثاني ؛ أي كالتقدمة، والتوطئة له ؛ حتى أن الثاني في قصد المتكلم لا يستقل عن ذكر الأول، " ( ٩١).
وهذا التفريع - يحمل إيحاءً بتشعب دروب الدين، وكثرة التبعات فيه، ووحشة الطرق المؤدية إليه مما يؤدي إلى تنفير الناس منه.
لكن التفريع هنا - كما أرى - ليس على جملة :" ولا يأب كاتب "، بل على قوله :" فاكتبوه " ؛ حيث فرَّع عن الأمر العام بالكتابة أمراً آخر خاصاً للكاتب بأن يتحرى الكتابة الشرعية التي يعتقدها
أما ذكر قوله :" فليكتب " بعد قوله :" ولا يأب كاتبي "، فهو ضرب من التأكيد اللفظي لمضمون النهي، فمضمون النهي هو " فليكتب "... ثم قيل صراحة " فليكتب "، وهذا يعني أن أمر الكاتب بالكتابة ذكر مرتين : مرةً في جوف النهي، حين قيل :" ولا يأب كاتب أن يكتب "، ومرة صريحا ً في قوله :" فليكتب ".


الصفحة التالية
Icon