وهذا التلوين والتنوع - في أداء المعنى وترسيخه يوضح مدى أهميتة، مما حدا بهم إلى أن قالوا : إن الأمر للوجوب " ولا ينبغي أن يعدل عن الوجوب......
ويلحق بالتداين جميع التعاملات التي يطلب فيها التوثق بالكتابة والإشهاد " ( ٩٢)
أثر السياق في دلالة قوله تعالى :" وليملل الذي عليه الحق "
على القصر
إن جملة " وليملل الذي عليه الحق " نوع ثالث من الخطاب بعد النوعين السابقين :
فالخطاب الأول : متوجه إلى الأمة عامة ؛ فقيل لها :"إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ". والخطاب الثاني : متوجه إلى الكاتب خاصة ؛ لما له من دور بارز في حفظ الحقوق، فقيل له :
" يكتب كما علمه الله ".
والخطاب الثالث : توجه إلى آخذ الدين، أو الذي عليه الحق.
والأنواع الثلاثة جاءت بصيغة الأمر لأن المنظومة واحدة، والسياق واحد، والغاية المنشودة من الآية غاية واحدة، ومسؤولية الأطراف الثلاثة في حفظ هذه الأموال على درجة واحدة، ومن أجل كل ذلك عم الأمر كل الأطراف.
والسبب في أن الذي عليه الحق هو المعنيُ بإملاء الدين :
أن الغبن قد يقع عليه لو أملى الدائن فزاد في الدين أو قرب الأجل، أو ذكر شروطا ً معينةً في مصلحته، وبخاصةٍ أن المدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة ؛ رغبة في إتمام الصفقة لحاجته إليها، فيقع عليه الغبن.
فإذا كان المدين هو الذي يُملي، لم يملِ إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر، ثم ليكون إقراره بالدين أقوى، وأثبت، فهو الذي يُملي. ( ٩٣)
وقد علّق الألوسي على هذه الجملة فقال :" لابد أن يكون هو المُقِر لا غيره " ( ٩٤).
ثم قال :" وانفهام الحصر من تعلق الحكم بالوصف ؛ فإن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعليّة، والأصل عدم علة أخرى " ( ٩٥).


الصفحة التالية
Icon