ولا شك أن قوله :" لا بد أن يكون هو المقر لا غيره " يشير إلى أن الأسلوب أسلوب قصر، لكن طريقه غير اصطلاحي ؛ فللقصر طرقه الاصطلاحية التي ارتضاها أهل هذا الفن، وليس من بينها تعليق الحكم بالوصف ؛ أعني : تعليق قوله :" وليملل " بقوله :" الذي عليه الحق ".
وهذا الفهم ناشئ من وجود عدة أطراف في عملية التداين، وهم :
الذي عليه الحق.
والذي له الحق.
والكاتب.
والشاهدان.
وهذه الأطراف لا بد أن تجتمع عند الكتابة ليتحقق الأمر كما يقتضيه النص القرآني، وعند هذا الاجتماع تأتي جملة " وليملل الذي عليه الحق " ؛ لتحدد واحداً بعينه ليقوم بالإملال، وهو الذي عليه الحق.
وهذا التعيين والتحديد مع وجود كل هذا العدد مشعر بقصر الإملال عليه دون غيره.
وهذا، وإن لم يكن منصوصاً عليه لفظاً لكنه مفهوم من النظم، وإيحاءات المعنى ؛ لأن " مفهوم القصر يقوم على أمرين لا كيان له بغيرهما :
١ - تخصيص شيء بشيء.
٢ - أن يكون التخصيص بطريق معهود.
فليس كل تخصيص داخلاً في القصر، وإنما المراد هنا تخصيصٌ ذو سمات محددة.
* أن يكون جامعاً بين إثبات ونفي.
* أن يكون جمعها في جملة واحدة.
* أن يكون القصد الأول إلى الإثبات، والنفي تأكيد للإثبات.
* ذلك التخصيص ذو السمات الآنفة لا يعتد به البلاغيون إلا إذا انداح في تضاعيف تراكيب معينة سميت بطرق القصر.
والكلام في تحقيق أنواع الحصر محرر في علم البيان، وله صور كثيرة تزيد على خمس عشرة نوعاً ( ٩٦ )، وليس منها تعليق الحكم بالوصف وهذا يفيد أن معنى الحصر في الجملة مفهوم من السياق، وليس مدلولاً عليه باللفظ ؛ فدلالته غير اصطلاحية، وهذا كثير في لغة العرب.
وجه البلاغة في تعريف الدَّين بجملة الصلة
أعني : ما الفرق بين أن يقال " وليملل المدين " وأن يقال :" وليملل الذي عليه الحق. ؟