" أملل - واتق الله - ولا تبخس منه شيئاً ".
وهذه الدقَّات الثلاث إنما هي إنذار وتحذير من أن يوسوس له شيطانه، بأن يتملص من بعض الحق، أو أن يأكل بعض الأموال، أو أن يفعل شيئاً يضيّع به الحق على صاحبه.
كل هذا استلزم تتابع هذه الأوامر على نحو خاص، ووضعت فيه التقوى بين الأمر بالإملال، والنهي عن البخس، لتأخذ التقوى بحُجز هذين الأمرين، فتكون كالقلب الذي يغذوهما.
فوضع التقوى في الوسط هكذا " وليملل الذي عليه الحق - وليتق الله ربه - ولا يبخس منه شيئاً.
هذا النسق يشير إلى أن الأمر بالإملال يحتاج إلى شيء من التقوى.
والنهي عن البخس يحتاج إلى شيء من التقوى ؛ فوضعت التقوى بينهما ؛ لتمدهما بحاجتهما ؛ كي يتم الأمر، والنهي على وفق مراد الشارع.
ولو قدمت التقوى، أو أخرت لزاد التشديد في جانب على حساب جانب آخر.
وتقديم الأمر بالتقوى على النهي عن البخس يفيد تهيئة النفوس التي عليها الحق لتلقي الأوامر والنواهي، بالامتثال، والطاعة.
وأسند الفعل " يتقي " إلى ضمير الغائب ؛ لأن الذي عليه الحق في مقام ضعف، ولا يرقى ليكون محل تشريف، وإعزاز ؛ حتى يباشره الله تعالى بالخطاب، وفي ذلك ما فيه من التنفير الخفي من الديون، وفي الحديث الشريف أن الرسول - ﷺ - كان يقول :
" اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين.
فقال رجل : يا رسول الله أيعدل الدين الكفر ؟
قال : نعم.
وفي الجملة الأولى جمع ٌ بين اسم " الله " واسم " الرب " ؛ حيث قيل :" وليتق الله ربه " لحكمة بليغة، وهي كما يقول أبو حيان :" أن الله تعالى مربياً له مصلحاً لأمره، باسطاً عليه نعمه.
وقدم اسم " الله " لأن مراقبته من جهة العبودية والألوهية أسبق من جهة النعم " ( ٩٨ )
كما أن مقام الذي عليه الحق يحتاج إلى صفات الجلال الكامنة في اسم " الله.
وكذا إلى صفات الجمال الشاخصة في اسم " الرب ".


الصفحة التالية
Icon