أما صفة الجمال، فمن حيث تذكيره بأن سداد الدين يحتاج إلى عون الله تعالى، وفتح أبواب الرزق
وأما صفة الجلال فمن حيث زجره وتهديده حتى لا يبخس أو يماطل، أو ينكر الدين.
إذاً الذي عليه الحق ينبغي أن يتذكر أمرين :
الأول : يتذكر قوة الله وسلطانه وانتقامه، فلا يأكل أموال الناس.
والآخر : يتذكر رحمة الله تعالى وعطفه وامتنانه عليه، حيث أحل هذا الضرب من المعاملات والتي استطاع بسببها أن يأخذ من أموال الناس إلى حين.
أما اصطفاء لفظ البخس هنا دون غيره :
فلأن من دلالته النقص والإخفاء، وأقرب الألفاظ إلى معناه هو : الغبن.
والبخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب، والتزهيد، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيد في الكيل، أو النقصان منه، أي : عن غفلة من صاحب الحق.
وتعدي الفعل إلى كلمة " شيئاً " وهي نكرة لإفادة العموم والإحاطة، أي : أي شيء، ولو كان حقيراً، ولذلك كله، أسند لفظ " رب " إلى الضمير العائد على المدين، فقيل :" ربه "، ولم يقل : ربكم، أو ربهم، بل " ربه " أي : الذي أنعم عليه، وأحل له أخذ هذه الأموال لينتفع بها إلى حين، ووعده
بأن يسد عنه إن هو أخلص النية في السداد.
وقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال :" من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّ الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى " ( ٩٩ )
وكأنه رقيب عليه وحده، كما أن فيها معنى التحذير ؛ لأن ربه رقيب عليه.
وفي ذكر الجار والمجرور " منه " حيث قيل :" ولا يبخس منه شيئاً " تذكير بالحق مرة أخرى، حتى تكون الأذهان على ذكر منه دائماً، إما صراحة، وإما تقديراً فتكون العقول والقلوب مرتبطة به، فتراعي الوفاء، والضبط عند كتابته، لأنه حق.
الاستثناء بالشرط في قوله تعالى :
" فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع"