أما الذي لا يستطيع أن يمل : فهو العاجز، كمن به بكم، وعمى، وصمم جميعاً..." ( ١٠٢ )
ومما سبق يتضح وجه الترتيب بين هذه الأصناف ؛ فأشد الناس حاجة إلى وليّ ليقوم عنه بالإملاء هو السفيه ؛ لأنه مختل العقل، لا يُحكم الأشياء.
ثم يأتي الضعيف، وهو الذي يملك قوة لكنها ضعيفة ؛ إما لصغر سن، أو لكبر سن، أو لقلة تجربة في الحياة، وهذا يلي السفيه في حاجته إلى من يملي عنه، .
أما الأخير فهو :" الذي لا يستطيع أن يُمل هو..." ؛ ويقصد به الذي لا يملك الصيغة المثلى، أو الأسلوب الأمثل في العقود، مع امتلاكه لمقومات العقل والقوة.
فترتيب هذه الأصناف ترتيب أولوية في حاجة كل صنف إلى من يقوم عنه بالإملاء ؛ فالسفيه أشدهم احتياجاً، ثم الضعيف، ثم الذي لا يستطيع الإملاء.
وقد صيغ الصنف الأخير في جملة فعلية، مع أن الصنفين الأولين جاءا في صورة الاسم -" السفيه، والضعيف "، أما الأخير فقيل :" أو لا يستطيع أن يمل هو "، وكان يمكن أن يقال :" أو غير مستطيع ".
ووجه ذلك، الإشارة إلى أن عدم استطاعته ليست على الدوام ؛ لأنها عارضة، وطارئة، فلما كانت غير ثابتة، عُدل بها عن الاسم إلى الفعل.
أما الضمير " هو " في قوله :" أن يمل هو "، فإنه" توكيد للضمير المستتر في " أن يمل "، وفائدة التوكيد به : رفع المجاز الذي كان يحتمله إسناد الفعل إلى الضمير، فيقال : أو لا يستطيع أن يمل ؛ فالضمير " هو " أفاد التنصيص على أنه غير مستطيع بنفسه " ( ١٠٣ ).
وجاء الفعل هنا " يُمل " بإدغام اللام في اللام، في حين أنه جاء قبل ذلك مفكوك الإدغام، في قوله تعالى :" وليملل الذي عليه الحق، وجاء أيضاً بعد ذلك مفكوك الإدغام، في قوله :" فليملل وليه بالعدل "، فما الحكمة في ذلك ؟
لابد أولاً أن أشير إلى أن الإدغام والفك لهجتان فصيحتان للعرب ؛ فالحجازيون لهجتهم الفك، والتميميون لهجتهم الإدغام.


الصفحة التالية
Icon