وهذا لا يكفي لمعرفة وجه اصطفاء الإدغام في قوله :" أو لا يستطيع أن يملّ هو "، واصطفاء الفك في الباقي.
وبالنظر يتضح أن الإدغام جاء مع الإنسان العاجز عن الإملاء، وهو الذي لا يستطيع الإملاء، كأن في لسانه حُبسة، أو نحو ذلك، وهو لا يستطيع التوضيح والتفصيل ؛ ولذلك استخدم معه " يُملّ " بالإدغام ؛ ليرسم صورةً له ؛ حيث تتداخل ألفاظه، أو تنبهم معانيه ؛ ولذلك يوكل عنه من يقوم بالإملاء.
أما الآخران اللذان يستطيعان الإملاء ويباشران ذلك بأنفسهما فجاء الفعل معهما مفكوكاً ليصور قدرتهما على التوضيح والبيان.
وعلى هذا : كانت كل صورة من صور الفعل متناغية مع حالة المتكلم، وهذا توافق عجيب معجز، بين الفعل وفاعله.
فإن كان الفاعل فصيحاً، صريحاً يؤتى معه بالفعل صريحاً، وإن كان الفاعل في لسانه، أو عقله خلل من: احتباس، أو همهمة، أو غمغمة، أو سوء فهم، أو نحو ذلك، يؤتى معه بالفعل المدغم.
******
أثر التكرار في بناء جملة :" فليملل وليه بالعدل :
وهذه الجملة هي جواب الشرط السابق ؛ أعني قوله :" فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً، أو ضعيفاً، أو لا يستطيع أن يُملّ هو ".
والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الشرط هو التخفيف عنهم ؛ بأن يقال مثلاً : فلا حرج عليهم ألا يكتبوا.... أو نحو ذلك.
لكن جواب الشرط جاء بالإملال، وبصيغة المضارع المقترن بلام الأمر، وهي ألزم وأشد في الوجوب، وهذا يشير إلى أن وجوب الكتابة ليس مقصوراً على أحد دون أحد فلا تسامح في هذا الأمر، حتى وإن كان الذي عليه الحق سفيهاً، أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل.
وهذه الفاء هي الواقعة في جواب الشرط ؛ لأنه فعل أمر، والمجيء بالمضارع المقترن بلام الأمر يدل على أن الوجوب الكامن في الإملال الأول على الذي عليه الحق لم يُنقض، ولم يتسامح فيه، بل هو ما عليه من الإلزام، والفرضية.


الصفحة التالية
Icon