ويلحظ هنا تكرار لفظ الإملال ؛ حيث ذكر ثلاث مرات، وكأنه ركن من أركان العقد ؛ لما فيه من رفع الصوت، وسماع الجميع لقيمة الدين، وموعد سداده، فالأمر أمر إعلان، وإشاعة لمن له الحق، ومن عليه الحق، ليعلم الناسُ ذلك، وفي هذا ما فيه من إشراك للمجتمع في الشهادة ؛ ليكون ألزم للمدين بالسداد.
واللفظ الآخر في هذه الجملة هو " بالعدل " ؛ حيث ذكر قبل ذلك في قوله :" وليكتب بينكم كاتب بالعدل ".
وليس العدل هنا أو هناك بمعنى العدالة التي يوصف بها الشاهد ؛ فيقال :" رجل عدل، لأن وجود الباء يصرف عن ذلك " ( ١٠٤ )
فكلمة العدل هنا تعني الحق ؛ أي : بما يعتقده، وليس غيره، فإن إملاء ما يعتقده هو إملاء الحق.
فإذا رجعنا إلى معنى التكرار لهذا الحق، فإننا نجد أن هذا الحق ذكر عدة مرات :
١ - في قوله تعالى :"ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " فإنها تصب في معنى الحق
٢ - ثم التصريح بها في قوله :" وليملل الذي عليه الحق ".
٣ - ثم التعبير عنه بالضمير في قوله :" ولا يبخس منه شيئاً " أي من الحق.
٤ - ثم التصريح به مرة رابعة، في قوله :" فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ".
فصرح به مرة أخرى.
٥ -ثم التعبير عنه بالكناية في قوله :" ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا " ؛ فالضمير
في " تكتبوه " يمكن حمله أيضا على الحق.
فهذه المواضع تشير إلى أن "الحق " كلمة سارية في أوصال الآية ومقررة بعدة صور ؛ لتملأ على الجميع حواسهم، فلا تغيب عنهم، وفي ذلك ما فيه من إثارة النفوس إلى حفظ هذا الحق، وضمانه، والاجتهاد في إيصاله إلى أصحابه.
فإذا أضفنا إلى كل ذلك أن كلمة " العدل " يمكن حملها على معنى الحق ؛ أي يملل بالحق ؛ لظهر جلياً قيمة هذه اللفظة، وحرص الآية على إشاعتها في النفوس.
******
عوامل التوكيد في جملة :" واستشهدوا شهيدين "