هذا هو الطرف الثالث في الآية، بعد الحديث عن المتداينين، والكاتب ؛ ليكتمل بذلك توثيق العقد.
وتأخرت جملة الإشهاد عن جملة الكتابة ؛ لأنها مؤخرة عنها في الواقع، فالشاهدان يشهدان بعد تحرير الوثيقة، وليس قبلها وشهادتهما ليس مقصودا بها رؤية الأخذ والعطاء فقط، بل مقصود بها أيضاً توقيعهما على تلك الوثيقة، وإقرارهما عليها كتابة ً ؛ وذلك مستفاد من قوله تعالى :" وليكتب بينكم "، فصيغة الجمع في " بينكم " تدل على حضور الشهود، وإقرارهما بما في العقد كتابةً.
والجملة معطوفة على جملة " فاكتبوه ".
وحقيقية الشهادة : الحضور، والمشاهدة، لكن المراد بها هنا حضور خاص، وهو حضور لأجل الاطلاع على التداين " ( ١٠٥ )
و قد جاء في هذه الجملة عدة مؤكدات تبين أهميَّة الشهادة، وأثرها في حفظ الحقوق.
وأول هذه المؤكدات :
اصطفاء لفظ الشهادة دون العلم، فقال :" واستشهدوا " ولم يُقل : وأعلموا ؛ لأن الشهادة أخص من العلم ؛ وذلك أنها : علم بوجود الأشياء، لا من قبل غيرها.
والشاهد نقيض الغائب في المعنى ؛ ولهذا سمي ما يدرك بالحواس، ويعلم ضرورةً شاهداً.
فالشهادة : علم يتناول الموجود، أما العلم فيتناول الموجود والمعدوم.
كما أن الشاهد للشيء يقتضي أنه عالم به، ولهذا قيل : الشهادة على الحقوق ؛ لأنها لا تصح إلا مع العلم بها، وذلك أن أصل الشهادة الرؤية، وقد شاهدت الشي: رأيته رؤية وسمعاً "( ١٠٦ )
ومن المؤكدات في الجملة : السين والتاء :
يقول ابن حجر :" والاستفعال بمعنى الإفعال، كالاستجابة بمعنى الإجابة " وقال الطيبي " السين للطلب وهو المبالغة " ( ١٠٧ )
وقال ابن عاشور :" إن السين والتاء لمجرد التوكيد... ولك أن تجعلهما للطلب ؛ أي : اطلبوا شهادة شاهدين، فيكون تكليفا بالسعي للإشهاد، وهو التكليف المتعلق بصاحب الحق " ( ١٠٨ )
وعلى هذا :


الصفحة التالية
Icon