فإن الألف والسين والتاء مع دلالة الطلب، تفيد: التوكيد والتحقيق، وهو من معانيها النحوية.
ومن المؤكدات في الجملة أيضاً : تعدية الفعل إلى المفعول المطلق :
والأصل في المفعول المطلق التوكيد، أو البيان للنوع، أو للعدد، وفي بيان النوع والعدد ضرب من التوكيد أيضاً، فلما قيل :" واستشهدوا شهيدين " فُهم وجوب الإشهاد من طريقين :
الأول : من الأمر المسبوق بالسين والتاء.
والآخر: من تعدية الفعل إلى المفعول المطلق.
واشترط العدد في الشاهد، ولم يكتف بشهادة عدل واحد، لأن الشهادة لما تعلقت بحق معين لمعين
اتُهم الشاهد باحتمال أن يتوسل إليه الظالمُ، الطالب لحق مزعوم، فيحمله على تحريف الشهادة، فاحتيج إلى حيطة تدفع التهمة، فاشترط فيه الإسلام- وكفى به وازعاً - والعدالة ؛ لأنها تزع من حيث الدين والمروءة، وزيد انضمام ثان إليه ؛ لاستبعاد أن يتواطأ كلا الشاهدين على الزور"( ١٠٩)
وفي صيغة " شهيد " نغم له مردود عظيم في قلوب المسلمين، فالصيغة تحمل معنى التضحية، والإقدام على المخاطر، ولعل في السين والتاء أيضا من المعاني ما يشعر بالجهد المبذول في السعي الجاد في طلب الشهيدين ؛ لأنهما عزيزان بين الناس، لأنه طلب وبحث " عمن تكررت منه الشهادة فهو عالم بموقعها، مقتدر على أدائها، وكأن فيها رمزاً إلى العدالة ؛ لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم، ولعله لم يقل رجلين لذلك " ( ١١٠ )