وإنما قال :" من رجالكم " ليضيف إلى العدل معنى الذكورة القادرة على تحمل تبعات الشهادة، ولأوائها، ثم أضيف لفظ " الرجال " إلى ضمير الخطاب، ليشير إلى شهرتهم بين الناس، فهم المعروفون المعدودون من الرجال ؛ وذلك لأن القصد من الإشهاد إحقاق الحق عند الخصومة، وهذا يتطلب معرفة الشاهدين، وسهولة إحضارهما، كما أن في هذه الإضافة معنى آخر أشار إليه ابن عاشور بقوله :" والضمير المضاف إليه أفاد وصف الإسلام " ( ١١١)، وعليه فلا يجوز شهادة الكافر على المسلم ؛ لأنه ليس من رجالنا.
وبعدُ : فما زلت ألمح هذا الخيط الساري بين جنبات الآية، والذي يصل أولها بآخرها، ويربط بين تراكيبها، ويبرز مع كل جملة، بل كل كلمة، هذا الخيط الذي تحدثت عنه آنفاً، والذي يضع العقبات والعراقيل أمام إشاعة الديون، فهناك الآن في بعض الدول رغبة جامحة لجعل الشعب كله مديون، وانظر قليلاً إلى هذا الطوفان الذي يهجم على الناس من خلال وسائل الإعلام، بل انظر أيضا إلى الوعود المقدمة للشباب العاطل عن العمل، فبدلا من تحريره من البطالة، وتوفير فرص للعمل يريدون تقييده بالديون، ليزداد الخناق عليه، فلا يرى، ولا يسمع، ولا يهتم بعد استدانته إلا بدينه، أو العقوبة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!!
بلاغة التعريف بالوصف في جملة :
( فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )
وهذه الجملة الشرطية مترتبة على سابقتها، ومكونات الشرط هنا كما يلي:
أداة الشرط :" إن " الدالة على ندرة الوقوع، فكأن الحديث هنا عن حالة نادرة.
وفعل الشرط :" يكونا رجلين " وفي دلالته ما يشير إلى أن الأصل هو البحث عن شهود
عدول، رجالاً كانوا أم نساءً، ولو كان البحث عن الرجال خاصة لقيل : فإن لم
يوجد رجلان "...
أما جواب الشرط فهو " فرجل وامرأتان "


الصفحة التالية
Icon