يقول قتادة :" علِم اللهُ تعالى أن ستكون حقوق فأخذ لبعضهم من بعض الثقة، فخذوا ثقة الله تعالى، فإنه أطوع لربكم، وأدرك لأموالكم، ولعمري لئن كان تقياً لا يزيده الكتاب إلا خيراً، وإن كان فاجراً فبالأحرى أن يؤدي إذا علم أن عليه شهوداً ( ١١٤ )
والضلال هنا : النسيان - كما قال أبوعبيدة - معنى " تضل " : تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها، وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك، ضالاً، ومن نسي الشهادة جملة فليس يقال :" ضلَّ " ( ١١٥).
وقد جعل الزمخشري هذا اللفظ من قبيل المجاز المرسل ؛ حيث قال " أن تضل... أي : إرادة أن تضل، فإن قلت : كيف يكون ضلالهما مرادا لله تعالى " ؟
قلت : لما كان الضلال سبباً للإذكار، والإذكار مسبباً عنه، وهم ينزلون كل و احد من السبب، والمسبب منزلة الآخر ؛ لالتباسهما، واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادة للإذكار، فكأنه قيل : إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ونظيره :- أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه -، وأعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه " ( ١١٦).
والسؤال الذي يعنُّ من خلال السورة المجازية هو :
ما وجه البلاغة في إيثار " أن تضل " بدلاً من " أن تنسى " إذا كانا بمعنى واحد ؟
الذي أراه أن في الضلال معنى زائداً وهو ترتب الهلاك على النسيان ؛ ولذلك " قيل : ضلت الناقة : إذا هلكت بضياعها، وفي القرآن الكريم ( وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ) (السجدة: ١٠) أي : هلكنا بتقطع أوصالنا... كما أن من معانيها : الضياع، يقال : هو ضال في قومه ؛ أي : ضائع، ومنه قوله تعالى :"( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (الضحى: ٧)؛ أي : ضائعاً في قومك، لا يعرفون منزلتك...
وقيل : الضلال بمعنى القصد إلى الشيء ؛ ( أن تضل ) ؛ أي تقصد إلى الشهادة فتذكرها الأخرى عوناً لها، وهذا من المقلوب المستفيض في كلامهم... ( ١١٧ )
-----