" إن مقتضى الظاهر أن يقال : أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى ؛ وذلك أن - إحدى والأخرى - وصفان مبهمان، لا يتعين شخص المقصود بهما، فكيفما وضعتهما في موضع الفاعل والمفعول كان المعنى واحدا...
والنكتة من إعادة لفظ " إحداهما " وكان يمكن التعبير عنه بالضمير هي : الإيهام.
لأن كل واحدة من المرأتين يجوز عليها ما يجوز على صاحبتها من الضلال والتذكير، فدخل الكلام في معنى العموم ؛ لئلا يتوهم أن إحدى المرأتين لا تكون إلا مذكرة، ولا تكون شاهدة بالأصالة.
وأصل هذا الجواب لشهاب الدين الغزنوي، عصري الخفاجي عن سؤال وجهه إليه الخفاجي، وهذا السؤال هو :
يا رأس أهل العلوم السادة البررة ومن نداه على كل الورى نشره
ما سر تكرار إحدى دون تُذكرها فآية لذوي الأشهاد في البقرة
وظاهر الحال إيجاز الضمير على تكرار إحداهما لو أنه ذكره
وحملُ إحدى على نفس الشهادة في أولاهما ليس مرضياً لدى المهرة
فغص بفكرك لاستخراج جوهره من بحر علمك ثم ابعث لنا درره
فأجاب الغزنوي بقوله :
يا من فوائده بالعلم منتشرة ومَنْ فضائله في الكون مشتهرة
( تضل إحداهما ) فالقول محتمل كليهما فهي للإظهار مفتقرة
ولو أتى بضمير كان مقتضياً تعيين واحدة للحكم معتبرة
ومن رددتم عليه الحال فهو كما أشرتم ليس مرضياً لمن سبره
هذا الذي سمح الذهن الكليل به والله أعلم بالفحوى بما ذكره
وكأن المراد هنا الإيماء إلى أن كلتا الجملتين علة لمشروعية تعدد المرأة في الشهادة ؛ فالمرأة معرضة لتطرق النسيان إليها، وقلة ضبط ما يهم ضبطه، والتعدد مظنةٌ لاختلاف مواد النقص والخلل، فعسى ألا تنسى إحداهما ما نسيته الأخرى.
فقوله " أن تضل إحداهما " تعليل لعدم الاكتفاء بالواحدة، ، وقوله " فتذكر إحداهما الأخرى " تعليل لإشهاد امرأة ثانية ؛ حتى لا تبطل شهادة الأولى من أصلها ( ١٢١ )


الصفحة التالية
Icon