وعلى هذا فكل من المرأتين مُذكرة لصاحبتها، كما أن كلاً منهما ناسية لبعض التفصيلات ؛ فقوله :" إحداهما " لا يقصد به واحدة بعينها، بل على العموم، وكذلك " الأخرى ".
هذا، وقد قرئ :" فتذاكر إحداهما الأخرى "، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن :" فتُذْكِر " بسكون الذال وكسر الكاف.
فأما قراءة " فتذاكر " فإشارة إلى المفاعلة القائمة بين المرأتين، واستعانة كل منهما بالأخرى، في استرجاع الضوابط الحافظة للحقوق، والعودة إلى تفاصيل ما تم بين الدائن والمدين، حتى تكون الشهادة بالعدل، وفي هذا تناغم واضح مع سياق الآية.
كما أن هناك هدفاً آخر : وهو سكوت الآية عن تحديد وقت التذكير ؛ فالتذكير قد يكون وقت الاستدعاء لإحقاق الحق، وقد يكون قبل ذلك ؛ بمعنى أن كلاً من المرأتين تُداوِم على تذكير الأخرى قبل حلول موعد السداد، فإذا حان موعده كانت شهادتهما كاملة، وهذا بلا شك يوافق طبائع النساء، من حيث مداومة سرد هذه الأحاديث، ولا يُتصوَّر هنا ما ذكره القرطبي من أن إحداهما تجعل الأخرى ذكراً، ( ١٢٢ ).
أما قراءة " فتُذْكر " فهي هي" فتذكِّر "، لكن التشديد، وعدم التشديد يشير إلى كمية المعلومات التي تنساها كل منهما، فإن كانت قليلة ناسبِ التعبير بالفعل " تُذكِر" بعدم التشديد، وإن كانت كثيرة ناسَبَ التعبير بالفعل " تذكَّر " بالتشديد ؛ فلكل من القراءتين وجه معتبر في المراد.
ويتوافق مع هذين الفعلين قراءة :" إن تضل " وقراءة " أن تضل ".
فالأولى توافق " تُذكِر " من حيث ندرة حدوث النسيان المدلول عليه بـ " إن " الشرطية.
والثانية توافق " تذكِّر " بالتشديد من حيث كثرة حدوث النسيان ؛ لأن النساء لسن على درجة واحدة في النسيان ؛ فمنهن من تنسى الكثير، ومنهن من هي حاضرة الذهن قليلة النسيان.
أثر السياق في تصوير المعنى في قوله تعالى :
"ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا "
دعوة الشهداء إلى الشهادة على وجهين :


الصفحة التالية
Icon