الأول : دعوتهم إلى تحمل الشهادة وقت كتابة العقد.
والآخر : دعوتهم إلى أداء الشهادة عند حدوث خلاف.
فما المراد من دعوتهم ؟ هل إلى الأداء أم إلى التحمل ؟
إن الجملة القرآنية حذفت المدعو إليه، " فجمعت بين الأمرين وهما :
ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة، ولا إذا دعيت إلى أداءها " ( ١٢٣)
وهذا من سعة دلالة الحذف، كما قال الإمام عبد القاهر عنه :" إنه باب دقيق، المسلك لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر ؛ فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبنْ " ( ١٢٤)
وإذا كان المحذوف هو تحمل الشهادة ؛ فإنه يستفاد منه أن تحمل الشهادة فرض كفاية، وإذا كان المعنى : إذا دُعِي إلى الأداء فعليه أن يجيب، أي أنها فرض عين.
قال مجاهد :" إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار، وإذا شهدت فدعيت فأجب.. "
وروي عن ابن عباس والحسن البصري : أنها تعم الحالين، " التحمل والأداء " ( ١٢٥)
والذي أميل إليه في تعيين المحذوف هو : تحمل الشهادة، وذلك لعدة أسباب، ومنها :
١ - أن السياق في الحديث عن الدعوة للشهادة، ولو كان السياق في شأن الأداء لأمر الشاهد بالحضور قصراً ؛ لأنه لم يشهد غيره على التداين.
٢ - أن الحديث هنا عن توثيق العقد، وليس عن فض نزاع، وهذا يناسبه أن تكون الدعوة للتحمل، وليس للأداء.
٣ - أن الآية التالية تناولت الأداء، وحذرت من كتمان الشهادة فقيل فيها " ولا تكتموا الشهادة " ولا داعي هنا للتكرار، فالحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد.
٤ - لو كان الأمر لأداء الشهادة لما جاز لأحد أن يتخلف عنها، " ولقد جاء عن الربيع : أن الرجل كان يطوف في القوم الكثير يدعوهم ليشهدوا، فلا يتبعه أحد منهم، فأنزل الله عز وجل :" ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ".