كما لا يخفى أن فيها تحريضاً لهم بالمدح بهذا اللقب، بالإضافة إلى أنهم ذو خبرة، ومجربون في الشهادة.
يقول ابن عاشور :" وإنما جيء في خطاب المتعاقدين بصيغة الأمر، وجيء في خطاب الشهداء بصيغة النهي ؛ اهتماماً بما فيه التفريط ؛ فإن المتعاقدين يُظن بهما إهمال الإشهاد، فأُمرا به.
والشهود يُظن بهم الامتناع فنهوا عنه، وكل يستلزم ضده " ( ١٣٠).
أما لبنات هذه الجملة فإنها تحمل من الكنوز الدلالية الكثير التي تتناغم مع دلالة الأساليب : وأول ما يلقانا هنا هو " لا " الناهية في قوله :" ولا يأب الشهداء ".
والنهي بـ " لا" مشعر برغبة المنهي في ارتكاب المنهي عنه إن كانت له مندوحة، فحين يقال : لا تفعل كذا.. يفهم منه أن له رغبة في فعله، أو أنه يفعله الآن، فنهي عنه، وهذا يصور نفرة النفوس من تبعات الشهادة، ومحاولة الفكاك منها، ولولا طاعة الله تعالى لما شهد أحد...
أما اصطفاء الفعل " يأبى " دون " يمتنع " مثلاً ؛ فلأن الإباء فيه من الرفض المصحوب بالعلة، وخوف المستقبل، والحذر من الإقدام، فهو ليس امتناعاً ساذجاً، بل امتناع معلل، وهذه أقصى درجات الرفض، ولا يعنى هذا أن القرآن أباح الامتناع عن الشهادة ؛ لأن من سنن القرآن الكريم أنه يوجه النهي إلى أعلى درجات الفعل ليكون ما دون ذلك داخلاً فيه ً، وهو المعروف بالتنبيه بالأعلى على الأدنى.
كما أن الكلمة بجرسها العالي تشعر بالدفع، والإعراض عن هذا الأمر، ومَنْ من المؤمنين يحب الشهادة في أمور تحفها المخاطر ؟ !!!!