فكانت الدعوة إلى الجانب الأول للناس كافة في مستهل آيات القسم الأول العقدي.
وكانت الدعوة إلى الجانب الآخر للناس كافة في مستهل آيات القسم الثاني التشريعي.
ثم توالت التشريعات ؛ ليحقق الأمن من طيب المطعم وأحكام الصيام والجهاد والحج والإنفاق والقتال في الأشهر الحرم، والخمر والميسر، وأحكام الأسرة، وأحكام المعاملات المالية من صدقة ورباً وقرض ورهن، فختم آيات هذا القسم بأطول آية :( آية المداينة )، فآية الرهن ؛ مؤكدا الدعوة إلى الأمانة والقيام بحق الشهادة.
ثم تأتي الخاتمة : في ثلاث آيات ( ٢٨٤ _ ٢٨٦ ) مقررة أن الكون كله لله وحده، وأن ما في الأنفس يحاسب عليه ؛ فيغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، فكأن في هذه الآية تعقيباً على القسمين معاً ( العقدي والتشريعي )، وفي الوقت نفسه توطئة لذكر الذين قاموا بحق هذين القسمين فكان فيه رد عجز السورة على صدرها ) ( ٦ )
وهذا التقسيم يضع السورة _ على طولها _ في إطارين اثنين مع وجود مقدمة وخاتمة، وهذا أقرب إلى واقع السورة، وأكثر تحديداً لأركانها، وأضبط لمعاقدها.
وتحديد هذه الفصول والمعاقد يبتغي من ورائه الوقوف على وجه البلاغة في موقع الآية من السورة..
ثالثا : وجه البلاغة في موقع الآية
لقد تبين أن آية الدين تقع في ختام القسم التشريعي، بعدما تكون النفوس قد هُذّبت، وترسخ فيها أصول التوحيد، وتمرست على أنواع العبادات _ من صلاة وصيام وحج وجهاد _ وكأن الدَّين أعلى قدراً من حيث حاجته إلى نفوس عالية، وهمم سامقة، وقلوب صافية ؛ حتى تمتثل لما فيه من ضوابط وقوانين.