إن ملاحظة النفي هنا مقبول أيضاً ؛ لأن المعنى حينئذ هو أن : على الشهداء الإدلاء بشهادتهم، حتى وإن لم توجه إليهم الدعوة للشهادة ؛ لأن فيها إحقاقاً للحق.
كما أن من دلالة " ما " المفهومة من خلال السياق هنا أنها تومئ إلى الإسراع في تلبية الدعوة، دون تأجيل أو تسويف، فكأنها تدل على الحينية، وتخصيص المستقبل الكامن في " إذا "، فإن قيل : ولا يأب الشهداء إذا دعوا "، جاز أن يلبوا اليوم أو غداً أو بعد أسبوع.
أما حين يقال :" ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " فيعني وجوب أن تكون الإجابة للدعوة في حينها، وفي ذلك تعجيل بحفظ الحقوق، وإيحاء للشهود بخطورة الأمر، ووجوب حسمه في حينه.
ويؤيد هذا أن الآيات التي جاءت فيها " ما " غالباً ما تدل على ربط الفعل بالزمن الحاضر العاجل دون تأخير، وذلك في مثل :
١ - " ( قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ) (الانبياء: ٤٥)
٢ - (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) (فصلت: ٢٠)
٣ -(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)(التوبة: ٩٢)وغير ذلك كثير
وأيضاً من الدلالات التي يمكن فهمها أنهم في أي وقت يدعون فيه للشهادة فعليهم التلبية ؛ وذلك لأن " ما " تحمل معنى الوقت، وهذه من أوجه دلالتها، كما قال ابن هشام في نحو قوله تعالى :" مادمت حياً " مريم ٣١ " أصله: مدة دوامي حياً.. وفي نحو "كلما أضاء لهم مشوا فيه " البقرة ٢٠
أي : كل وقت إضاءة، واستدل ابن مالك على مجيئها للزمان... (١٣٥)
أما اصطفاء الفعل " دعوا " فيشير إلى الرفق، واللين والتودد إلى الشهداء ؛ لأنهم لايبتغون من شهادتهم إلا رضى الله تعالى ؛ لذلك حملت من الترغيب ما يجذبهم إليها، ولو كانت الشهادة شهادة أداء لأمروا بالحضور ؛ إذ ليس هناك غيرهم.
******


الصفحة التالية
Icon