الكناية في قوله " ولا تسأموا "
" لقد انتقل الشارع إلى غرض آخر، غرض عام للتشريع، يؤكد ضرورة الكتابة - كَبُرَ الدَّين أم صغر، بحجة أن الدين الصغير لا يستحق، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل، والحياء، أو الكسل وقلة المبالاة، ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلاً وجدانياً وتعليلا علمياً.(١٣٦).
والساْم في لغة العرب " يعني : الكسل والتهاون والملل في تكرير فعل ما، أو الملل مما يكثر فعلاً كان أو اسماً " ( ١٣٧ ).
وعليه ففي الفعل كناية عن صفة ؛ " لأن المراد من السأم هو الكسل، إلا أنه كُنِّي به عنه ؛ لأنه وقع في القرآن صفةً للمنافقين " ( ١٣٨)
وقيل : كُني بالسأم عن الكسل ؛ لأنه صفة المنافق ؛ ولذلك قال - ﷺ - لا يقول المؤمن كسلت " ( ١٣٩)
وكأن النهي هنا " نهي عن أثر السأم، وهو ترك الكتابة ؛ لأن السآمة تحصل للنفس عن غير اختيار، فلا يُنهى عنها في ذاتها ".
وعليه، فإن الأمر بالكتابة آكد من ذي قبل ؛لأن الصغير والكبير من الديون داخل في دائرة النهي.
كما يلحظ في دلالة الكناية هنا التحرز من وصف المؤمنين بصفةٍ التصقت بالمنافقين، وهي الكسل ؛ فحين قال الله تعالى في وصف المنافقين :( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) (النساء: ١٤٢) آثر أن يجنب المؤمنين وصفهم بالصفة التي اشتهر بها المنافقون ؛ تكريماً لهم، فقال " ولا تسأموا " بدلاً من - ولا تكسلوا.
وهذا الفعل _ تسأموا - قد يرد لازماً، وقد يتعدى بحرف الجر، وقد يتعدى بنفسه، وذلك نحو " وهم لا يسأمون " ( فصلت ٣٨)، ونحو " لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " ( فصلت ٤٩ ) وقد يتعدى بنفسه كما هو في الآية هنا " ولا تسأموا أن تكتبوه.. "