ودوران الفعل بين اللزوم، والتعدي بحرف، والتعدي بنفسه يشير إلى دورانه بين القوة والضعف، وهذا يعني أن السأم في الآية سأم شديد، فنهي عن هذا السأم الشديد الناتج من كثرة الكتابة، أو من قلة الدين.
وأوقع الفعل على المفعول المؤول دون الصريح، فقال : ولا تسأموا أن تكتبوه " دون " كتابته "، إيماءً إلى أن كتابته تكون مرة واحدة، وتنتهي مهمة التوثيق، أما إضمار المكتوب، وعدم إظهاره في " أن تكتبوه " فللإشارة إلى ثقله على النفوس، ورغبتها في إخفائه، وعدم الكشف عنه، أو أن الضمير يُذكِّر المتعاملَين بالديْن وبالحق معاً ؛ إذ يمكن إرجاعه إلى كل منهما، أي ولا تسأموا أن تكتبوا الحق، وهذا من الإيجاز البديع.
وجه التعبير بالصغير والكبير :
التعبير بهما يفيد الإحاطة والشمول لكل دين، وقد بدأ بالصغير ؛ لأنه الأقرب إلى التهاون والكسل في كتابته، فأراد تعميم الكتابة، فبدا بما يمكن الكسل فيه.
ولفظ الصغير والكبير " يستعملان في الأجسام و لا يستعملان في الأعداد، فالأعداد يستعمل معها القليل والكثير والاستعمال هنا من قبيل الاستعارة كما قال الراغب، وأبو هلال ( ١٤٠)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن التعبير بهما هنا " يعني " على أي حال " ( ١٤١) وكأن لا فرق، حتى أنهم فسروا هذا بذاك ( ١٤٢)
لكنني أرى في هذا الاستعمال ما يصرف الذهن إلى شيء آخر غير المال، إن العبارة تصرف الذهن إلى الحق، وإلى "الدَّيْن"، وهي أمور ألصق بالصغر والكبر منها بالكثرة والقلة.
إعادة لفظ " الأجل " :
ذكر الأجل في أول الآية، وأعيد ذكره هنا في شبه جملة وقعت حالاً من الهاء في جملة " تكتبوه " والمعنى " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً مستقراً في ذمة المدين إلى وقت حلوله الذي أقر به.


الصفحة التالية
Icon