ثم خوطب المؤمنون جميعاً فجيء بكاف الخطاب، والميم الدالة على الجمع ؛ ليكون الأمر أشبه بالإعلان العام غير المحصور في فئة دون فئة، مما يستدعي التريث قبل الإقدام عليه من كل إنسان يفكر في الاستدانة، فالأمر لن يخل من عناء، وإعلام الناس بأنه مدين.
ثم جاء الخبر الأول وهو : أقسط عند الله : وعن أبي عبيدة :[قسط : جار، وقسط : عدل، وأقسط بالألف : عدل لا غير..] ( ١٤٤ )
وإيثار لفظ القسط دون العدل هنا [ لأن القسط هو : العدل البين الظاهر، ومنه سمي المكيال قسطاً، والميزان : قسطاً لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهراً، وقد يكون من العدل ما يخفى، ولهذا قلنا : إن القسط هو النصيب الذي بَيَّنْتَ وجوهه ( ١٤٥).
وقيل:[ عند ] والعندية هنا عندية علم، وتعني التقدير والحكم ؛ أي أقسط في قدر الله تعالى وحكمه.
وقيل [عند الله ]ولم يقل عند ربك؛لأن السياق سياق حكم وميزان، وهو أليق بالجلال منه بالجمال.
وأقوم للشهادة :
وهذان اللفظان أحدث تركيبهما غموضاً عندي من حيث دلالة لفظ أقوم وإضافته إلي الشهادة، ثم علاقة كل ذلك بالقضية الأساسية هنا وهي (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلي أجله ).
أما دلالة لفظ ( أقوم ) فقيل فيه : يعني :[ أعون علي إقامة الشهادة ] (١٤٦ ).
وقيل :[أصح وأحفظ ] (١٤٧).
وقيل :[أثبت لها وأعون عن إقامتها ] (١٤٨ ).
كما قيل إنها :[ أثبت للشاهد إذا وضع خطهُ ثم رآه تذكر به الشهادة ؛ لاحتمال أنه لو لم يكتبه ؛ أن ينساه كما هو الواقع غالباً ] (١٤٩ ).
[وأصله من قول القائل : أقمته من عوجه : إذا سَّويته فاستوي، وإنما كان الكتب أعدل عند الله تعالي وأصوب لشهادة الشهود علي ما فيه ؛ لأنه يحوي الألفاظ التي أقرّ بها البائع والمشتري.. فلا يقع بين الشهود اختلاف في ألفاظهم بشهادتهم ؛ لاجتماع شهادتهم علي ما حواه الكتاب.