ووجه الحسن هنا هو اختزال التفضيل في تلك الألفاظ الثلاثة، حتى لا ينصرف الذهن إلا إليها، فيقبل على الأمر والنهي إقبال المحب الموقن بحكمة ما وضع من ضوابط، وأنه في صالحه.
ترتيب الجمل الثلاث :
يقول أبو حيان [ نسق هذه الأخبار في غاية الحسن ؛ إذ بدئ بالأشرف، وهو قوله :" أقسط عند الله " أي في حكم الله، فينبغي أن يتّبع ما أمر به، إذ اتباعه متعلّق الدين الإسلامي، وبني عليه قوله " وأقوم للشهادة " لأن ما بعد امتثال أمر الله هو الشهادة بعد الكتابة، وجاء بقوله " وأدنى ألا ترتابوا " أخيرا ؛ لأن انتفاء الريبة مترتب على طاعة الله تعالى في الكتاب والإشهاد، فعنهما ينشأ أقربية انتفاء الريبة، إذ ذاك هو الغاية في أن لا يقع ريبة، وذاك لا يتحصل إلا بالكتب والإشهاد غالبا فيُثلج الصدر بما كتب وأشهد عليهً وما ضبط بالكتابة والإشهاد لا يكاد يقع فيه شك، ولا لبس، ولا نزاع ]( ١٥٦)
وهذا يؤكد أن الترتيب ترتيب تصاعدي، فبدأ بالالتزام بأمر الله تعالى، إذ هو الأساس الذي يبنى عليه، وانتهى بنفي الريبة، إذ هي العلة الملاحظة من وراء كل هذه الضوابط.
فهذه الضمانات وإن كانت أوامر ينبغي السمع لها والطاعة، تعبداً لله تعالى إلا أن من ورائها علة عظيمة، وهي سلامة المجتمع، والمحافظة على علاقاته وروابطه، وهذا ما أكدته جملة :" وأدنى ألا ترتابوا.. "
أسلوب الاستثناء في قوله تعالى :
( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ)
وهذه الجملة تبين أن التجارة الحاضرة بيوعها مستثناة من قيد الكتابة، وتكفي فيها شهادة الشهود ؛ تيسيراً للعمليات التجارية التي يعرقلها التقييد، والتي تتم في سرعة، وتتكرر في أوقات قصيرة ؛ ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة، قد راعى كل ملابساتها، وكان شريعةً عملية واقعية، لا تعقيد فيها ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها. ( ١٥٧ )


الصفحة التالية
Icon