ولكني ألحظ هنا في هذه العبارة دلالة أخرى خافية، وهي : لفت أنظار المؤمنين إلى التيسيرات في غير الديون، فالآية تعرض العوائق الكثيرة في شأن الديون، وتضع في الإطار نفسه الأبواب الميسرة، والطرق الممهدة، حتى تفر النفوس من عقبات الديون إلى تيسيرات البيع الناجز.
كما أن الجملة من باب الاستثناء المنقطع، حيث فَصَلَ كلام كثير بين المستثنى والمستثنى منه، وأصل جملة الاستثناء هي :" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلا أن تكون تجارة حاضرة... "( ١٥٨).
ومعنى الانقطاع هنا : أن التجارة الحاضرة ليست من باب الديون في شيء، لكن لمّا كانت في حاجة إلى توثيق عقد البيع، كما يوثق عقد الديون أُلحقت التجارة بالديون من وجه احتياجها إلى توثيق، لكن توثيق عقد البيع أقل كلفة وشروطاً من عقد المداينة.
وجه البلاغة في وصف التجارة بالحضور والدوران :
يرى الزمخشري - رحمه الله - أن قوله :[ حاضرة تديرونها بينكم ] مفهوم من لفظ التجارة نفسها، ويسأل فيقول :[ فإن قلت ما معنى " تجارة حاضرة " وسواء كانت المبايعة بدين أو بعين، فالتجارة حاضرة ؟
وما معنى إدارتها بينهم ؟.
قلت : أريد بالتجارة ما يُتَّجر فيه من الأبدال، ومعنى إدارتها بينهم : تعاطيهم إياها يداً بيد، والمعنى : إلا أن تتبايعوا بيعاً ناجزاً يداً بيد، فلا بأس أن تكتبوه ؛ لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين ] ( ١٥٩ ).
لكن هذا الاستفسار في حاجة إلى مراجعة فليست كل تجارة حاضرة، وبخاصة تلك الصفقات التجارية التي تعقد في الغرف المغلقة، وعن طريق الحاسبات الالكترونية.
كما أنه ليست كل تجارة حاضرة دائرة، فالدوران والحضور صفتان لازمتان لإباحة منع الكتابة.
أما الحضور فيعني وجود السلعة والثمن في مكان واحد، ويتم فيها البيع يداً بيد.