قال أحمد وغيره : وإليه يعود أي : هو المتكلم به. وقال كلام الله من الله ليس ببائن منه أي لم يخلقه في غيره فيكون مبتدأ منزلا من ذلك المخلوق ؛ بل هو منزل من الله كما أخبر به ومن الله بدأ لا من مخلوق فهو الذي تكلم به لخلقه.
وأما النزول " المقيد " بالسماء فقوله :﴿ وأنزلنا من السماء ﴾ والسماء اسم جنس لكل ما علا فإذا قيد بشيء معين [ تقيد به ] فقوله في غير موضع من السماء مطلق أي في العلو ؛ ثم قد بينه في موضع آخر بقوله ﴿ أأنتم أنزلتموه من المزن ﴾ وقوله ﴿ فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ أي أنه منزل من السحاب ومما يشبه نزول القرآن قوله :﴿ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾ فنزول الملائكة هو نزولهم بالوحي من أمره الذي هو كلامه وكذلك قوله :﴿ تنزل الملائكة والروح فيها ﴾ يناسب قوله :﴿ فيها يفرق كل أمر حكيم ﴾ ﴿ أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ﴾ فهذا شبيه بقوله :﴿ قل نزله روح القدس ﴾
وأما " المطلق " ففي مواضع. منها : ما ذكره من إنزال السكينة ؛ بقوله :﴿ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ﴾ وقوله :﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ﴾ إلى غير ذلك. ومن ذلك " إنزال الميزان " ذكره مع الكتاب في موضعين وجمهور المفسرين على أن المراد به العدل وعن مجاهد - رحمه الله - هو ما يوزن به ولا منافاة بين القولين.
وكذلك العدل وما يعرف به العدل منزل في القلوب والملائكة قد تنزل على قلوب المؤمنين ؛ كقوله :﴿ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ﴾ فذلك الثبات نزل في القلوب بواسطة الملائكة وهو السكينة. قال النبي ﷺ ﴿ من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده ﴾ فالله ينزل عليه ملكا وذلك الملك يلهمه السداد وهو ينزل في قلبه.