ومنه حديث حذيفة رضي الله عنه الذي في الصحيحين عن النبي ﷺ قال :﴿ إن الله أنزل الأمانة في جذر قلوب الرجال فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ﴾ والأمانة هي الإيمان أنزلها في أصل قلوب الرجال وهو كإنزال الميزان والسكينة وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال :﴿ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ﴾ الحديث إلى آخره فذكر أربعة غشيان الرحمة وهي أن تغشاهم كما يغشى اللباس لابسه وكما يغشى الرجل المرأة والليل النهار. ثم قال :﴿ ونزلت عليهم السكينة ﴾ وهو إنزالها في قلوبهم ﴿ وحفتهم الملائكة ﴾ أي جلست حولهم ﴿ وذكرهم الله فيمن عنده ﴾ من الملائكة. وذكر الله الغشيان في مواضع مثل قوله تعالى ﴿ يغشي الليل النهار ﴾ وقوله :﴿ فلما تغشاها حملت حملا خفيفا ﴾ وقوله :﴿ والمؤتفكة أهوى ﴾ ﴿ فغشاها ما غشى ﴾
وقوله :﴿ ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾ هذا كله فيه إحاطة من كل وجه. وذكر تعالى إنزال النعاس في قوله :﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ﴾ هذا يوم أحد.
وقال في يوم بدر :﴿ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ﴾ والنعاس ينزل في الرأس بسبب نزول الأبخرة التي تدخل في الدماغ فتنعقد فيحصل منها النعاس.
وطائفة من أهل الكلام - منهم أبو الحسن الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد - جعلوا النزول والإتيان والمجيء حدثا يحدثه منفصلا عنه فذاك هو إتيانه واستواؤه على العرش فقالوا استواؤه فعل يفعله في العرش يصير به مستويا عليه من غير فعل يقوم بالرب لكن أكثر الناس خالفوهم.