المبحث الثالث : أنواع المطاعن
الطاعنون في القرآن كثر، ومطاعنهم وشبهاتهم كثيرة، وحصرها قد يعيي الباحث، ويكل المجد، ولكن حقيقة هذه الطعون أنها تدور في أفلاك محددة، وتنبع من مشكاة واحدة، ويمكننا أن نرجعها إلى أصول وقواعد تلملم شعث هذه الطعون، والرد على هذه الأصول يتكفل بالرد على جميع ما تحته من طعونات لا تعد ولا تحصر(٩٨)، ويمكننا أن نرد المطاعن إلى أربعة أصول يتفرع من بعضها فروع ؛ وهي :
١- نفي نسبة القرآن لله تعالى : ويشمل عدة طعون :
-نسبته إلى النبي ( ﷺ ) وأنه من تأليفه(٩٩).
-نسبته إلى الاقتباس من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل(١٠٠).
-دعوى عدم قدسيته وإمكانية نقده ومخالفته(١٠١) ؛ يعني قد يقر بأنه ليس من النبي ( ﷺ ) وأنه من الله تعالى، ولكن يقول هو ليس مقدسا، بل يمكن نقده، وهذا الكلام حقيقته نفي القرآن عن الله تعالى ؛ لأن ما كان من الله سبحانهفهو مقدس ولا يمكن نقده، وما كان من غيره فينطبق عليه ما يجري على كلام البشر من خطأ أو عجز أو جهل، إلى غير ذلك من نقائض البشر.
٢- زعم عدم حفظه :
يعني قد يقر بأن القرآن من الله جل جلاله، ولكن يزعم عدم حفظه فيدعي :
- أنه ليس هو القرآن الذي أنزل على محمد ( ﷺ )، بل قد غير وبدل، وأما الأصل فلا وجود له(١٠٢).
- أنه زيد فيه ونقص(١٠٣) ؛ يعني قد يقر بأن القرآن الموجود هو الكتاب الذي نزل من الله، ولكن يقول إنه زيد فيه أو نُقص منه.
٣- اتهام القرآن بالتناقض :
- تناقض الآيات بعضها مع بعض(١٠٤).
٤- اتهام القرآن بمعارضة الحقائق :
- معارضة الحقائق الشرعية(١٠٥).
- معارضة الحقائق التاريخية(١٠٦).
- معارضة الحقائق الكونية، أوحقائق العلم التجريبي الحديث(١٠٧).
والملاحظ في هذه الطعون هو التدرج فيها، فكلما انتفت شبهة انتقلوا إلى التي تليها.
ولو علم المسلمون هذه الشبه الأربع والرد عليها لما حصل ما نراه الآن من تأثر كثير من المسلمين بها، بل والاعتقاد فيها أو التسليم بها.
والمطاعن من حيث صراحتها تنقسم إلى نوعين :
١- طعون واضحة وصريحة، وهذا هو الغالب في طعون المستشرقين.
٢- طعون غامضة وملتوية وغير مباشرة، وهذا الغالب في طعون العلمانيين.
--------------------------------------------------------------------------------
(٩٨) ويكفي في هذا الرد الإجمالي الذي سيأتي في الفصل الأول من الباب : الثاني.
(٩٩) انظر : الإسقاط في مناهج المستشرقين للدكتور شوقي أبو خليل (ص : ٤٧)، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٥، و معالم تاريخ الإنسانية، لويلز (٣/٦٢٦)، وتاريخ الدولة العربية، ليوليوس فلهاوزن (ص : ٨)، ترجمه عن الألمانية، د. محمد أبو ريدة، الألف كتاب، القاهرة، ١٩٥٨وغيرها من المراجع.
(١٠٠) انظر : المستشرقون والدراسات القرآنية للدكتور محمد حسين الصغير، (ص : ١١٨-١٢٠)، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، ١٩٨٦، ودائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص : ١٦)، والعقيدة والشريعة في الإسلام لجولدتسيهر ص : ١٢، عن كتاب القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين للدكتور أحمد الشاعر(ص : ٩٣) دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، ١٩٨٢، وانظر : القرآن والمستشرقون، لنقرة(ص : ٣١) وغيرها من المراجع.
(١٠١) انظر : القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين، للدكتور أحمد الشاعر (ص : ٩٦-٩٧)، والتمهيد في تاريخ الفلسفة للشيخ مصطفى عبدالرازق (ص : ٥)، نقض مطاعن في القرآن الكريم، لمحمد أحمد عرفة، ص : ٤، و (طه حسين حياته وفكره) لأنور الجندي، ص : ١٤٤، نقلا عن كتاب مستقبل الثقافة في مصر وغيرها من المراجع.
(١٠٢) انظر : دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية، لإبراهيم عوض (ص : ٧)، و الوحي الجديد (ص : ٤٤)، نقلا عن كتاب مناقشات وردود، لمحمد فريد وجدي (ص : ٣٧٠)، وغيره من المراجع.
(١٠٣) انظر : لطائف المنان ورائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن، د. فضل حسن عباس، دار النور للطباعة النشر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٨٩، و الشيعة والقرآن، لإحسان إلاهي ظهير، مكتبة إدارة ترجمات السنة، لاهور باكستان، وكتاب (أيلتقي النقيضان) لمحمد مال الله، دار النفير، الكويت، الطبعة الأولى، ١٤٢١، وأصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، د. ناصر بن عبدالله القفاري، الفصل الأول من الباب : الأول بعنوان (اعتقادهم في القرآن) (١/١٢٣) وغيره من المراجع.
(١٠٤) انظر : كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري تحقيق السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية، وكتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير له أيضا تحقيق مروان العطية ومحسن خرابة، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى، ١٩٩٠، وأضواء على متشابهات القرآن، لخليل ياسين مكتبة الهلال، بيروت، وباهر القرآن في معاني مشكل القرآن لبيان الحق النيسابوري تحقيق سعاد بابقي، من مطبوعات جامعة أم القرى، ١٩٩٧، وغير ذلك من المراجع.
(١٠٥) انظر : كتاب : رد مفتريات على الإسلام، لشلبي، ص : ٣٨، عن رسالة المجلس الملي القبطي الأرثوذكس بالإسكندرية، و دائرة المعارف البريطانية (ص : ٢٢)، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، للعقاد (ص٢٧٦)، المكتبة العصرية، بيروت، وغير ذلك من المراجع.
(١٠٦) انظر : المستشرقون والدراسات الإسلامية، للدكتورمحمد حسين الصغير (٧٤-٧٥)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، و في الشعر الجاهلي لطه حسين (ص : ٢٦)، و مدخل إلى علم التفسير، للدكتور محمد بلتاجي ص : ١٧٠، وغير ذلك من المراجع.
(١٠٧) انظر : رد مفتريات على الإسلام، لعبدالجليل شلبي، دار القلم، الكويت، الطبعة الأولى، ١٩٨٢، ومدخل إلى علم التفسير لأستاذنا الدكتور بلتاجي، مكتبة الشباب : ، ١٩٩٨، وغير ذلك من المراجع.