المطلب الثاني عشر : إخباره بالغيب :
من أدلة صدق النبي صلي الله عليه وسلم إخباره بالغيب سواء كان غيباً لاحقاً أو سابقاً أو حاضراً فقد أخبر بالردة في زمن أبي بكر (، والفتنة في زمن علي (، وأخبر بأن الخلفاء الثلاثة عمر وعثمان وعلي يقُتلون شهداء، وأخبر بفتح القسطنطينية والحيرة ومصر وفارس والروم وبيت المقدس، وبأويس القرني، وأخبر بخروج كثير من الفرق كالخوارج والقدرية، وبشر كثير من الصحابة بالجنة فماتوا على الإيمان، وبشر الكثير بالنار فماتوا على الكفر، وأخبر بكثير من أشراط الساعة الصغرى(٣٦٣) وقد تحققت.
ولم تتحقق هذه الأمور إلا بعد موته، ومثل هذا لا يمكن، إن يكون إلا بوحي.
ومثل هذا أيضا إخباره بالغيب الماضي، كقصص السابقين والأنبياء وبني إسرائيل، فهذه الغيبيات الماضية ليس لها مقدمات يستدل بها عليها، ومع هذا أخبر بها النبي ( ﷺ ) موافقة للواقع، قد يقول قائل : إنه قرأ التاريخ. قلنا : إنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ولو سلمنا بهذا، فإنه كان يخبر بالغيب الحاضر أيضا، كإخباره الصحابة بغزوة مؤتة وهو في المدينة، وهي قريب من الشام، فعَنْ أَنَسٍ ( : أَنَّ النَّبِيَّ ( نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ :« أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ » (٣٦٤). وعندما جاء رسول كسري إلى النبي ( ﷺ ) ليتوعده ويتهدده قال له النبي ( ﷺ ) :« إن ربي قتل ربكما » فنظروا فإذا بكسرى مات في ذلك اليوم (٣٦٥)، ومثل هذا ليس له مقدمات تدل عليه، ولم يكتب بعد في أي كتاب، ولكنها النبوة.
--------------------------------------------------------------------------------
(٣٦٣) انظر الصحيح المسند من دلائل النبوة للوادعي، باب الإخبار عن أمور مستقبلية (ص: ٣٩٩-٥٤٠).
(٣٦٤) أخرجه البخاري(كتاب المناقب، باب مناقب خالد بن الوليد، رقم: ٣٧٥٧).
(٣٦٥) انظر :" الخصائص الكبرى " للسيوطي (٢/١٤) باب ما وقع عند كتابه إلى كسرى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولي، ١٩٨٥