المطلب السابع عشر: الإلزام :
نريد أن نسأل اليهود : كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام ؟
فإن قالوا : بسبب معجزاته، أو أخلاقه، أو تشريعه، أو تأييد الله له ونصرته، أو استجابة دعائه، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية، أو غير ذلك من الأدلة.
قلنا: كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي ( ﷺ ).
وكذلك النصارى نسألهم هل هم يؤمنون بنبوة موسى(٣٩٠) عليه السلام ؟، فإن الجواب سيكون : نعم. قلنا: كيف استدللتم على نبوته ؟. فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى.
قلنا: هل هناك دليل آخر؟.
إن قالوا: لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام. قلنا: إذن أنتم صَحَّحْتم مذهب مَن كفر بموسى عليه السلام من قومه ؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته، ولم ينزل عيسى عليه السلام في ذلك الوقت، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينة ولا علم ولا دليل، وأن رسالة موسى علقت عن التصحيح قرونا متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام.
فإن قالوا : نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا: كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو موجود في محمد ( ﷺ ).
وبعد هذا فلا حجة لرجل لا يؤمن بالنبي ( ﷺ )، ولكن صدق الله إذ يقول: ( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ( [الأعراف : ١٩٨]، يعني ينظرون إلى النبي ( ﷺ ) ودلائل صدقه، ثم لا يبصرون كأنهم عميان(٣٩١).
فإذا ثبت أن النبي ( ﷺ ) صادق، فإنه أخبرنا أن هذا القرآن كلام الله عز وجل منزل من عنده سبحانه حقا، فحصل بهذا المراد، وهو إثبات أن القرآن من الله تعالى.
--------------------------------------------------------------------------------
(٣٩٠) ولم نقل عيسى عليه السلام ؛ لأنهم يرونه إلها لا رسولا.
(٣٩١) وهذا أحد معان الآية، فبعض رأى أن المقصود بالآية هم الأصنام، فهي كأنها تنظر ولكنها لا تبصر، وبعضهم قال : إن المقصود بالآية هم المشركون - كما روى عن مجاهد وغيره - أي وإن كانوا ينظرون إليك يا محمد ( ﷺ ) ولكنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية. انظر :"محاسن التأويل"، للقاسمي (٣/٦٨٣)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولي، ١٩٩٤.