المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن في القرآن
هناك عدة مصطلحات في تسمية هذا العلم، ترادف مصطلح الطعن في القرآن وهي :
١-المتشابه أو المشتبه :
حيث إن كثيرا من العلماء يطلقون على هذا العلم (المتشابه )، مثل كتاب :
الآيات المتشابهات لبقي بن مخلد، وأضواء على متشابه القرآن لخليل ياسين، وتأويل متشابهات القرآن لابن شهر آشوب وغيرها(٣٢).
وأخذوا هذا الاسم من قوله تعالى :(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ…( [آل عمران : ٧].
وإنما لم أختر أن تكون الرسالة بهذا العنوان ؛ لأن المتشابه يطلق -في علوم القرآن والتفسير-على عدة معان :
١- يطلق المتشابه ويقصد به المشكل من الآيات التي قد تشتبه على فهم القارئ ؛ لخلوه من الدلالة الراجحة لمعناه(٣٣)، الذي يحتاج للجواب والرد على الطاعن، كما تقدم.
٢- ويطلق ويراد به ضد المحكم، وهو الذي لا يعلمه إلا الله، أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم(٣٤) ؛ مثل الحروف المقطعة، وحقيقة صفات الله وكيفياتها.
٣- ويطلق ويراد به الآيات المتشابهة لفظا، وقد تفترق بحرف أو كلمة، وتوجيه هذا التفريق. وقد ألف العلماء في هذا الفن كتبا كثيرة ؛ منها :" درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز"(٣٥)، للخطيب الإسكافي(٣٦)، وأشهرها وأفضلها كتاب "البرهان في متشابه القرآن "(٣٧) للكرماني(٣٨).
٤- يطلق ويقصد به تشبيه شيء بشيء، كالحور العين باللؤلؤ، وقد ألف في هذا المعنى ابن ناقيا البغدادي(٣٩) كتابه " الجمان في تشبيهات القرآن"(٤٠)، ولسيد قطب كتاب في هذا المعنى سماه " التصوير الفني في القرآن ".
٥- يطلق المتشابه ويراد به أن القرآن متماثل في النظم والبلاغة والهدف الذي يدعو إليه ؛ فلا تجد في أسلوبه اختلافا، ولا في معانيه مناقضة، ولا في سِوَرِه تغايرا، كما في قوله تعالى :(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( [الزمر : ٢٣].
قال القرطبي :( متشابها يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة، ويصدق بعضه بعضا، ليس فيه تناقض ولا اختلاف )(٤١).
فلما كان هذا الاسم يشكل في الفهم، ومشتركا بين عدة معان، أعرضت عنه.
٢- موهم الاختلاف أو مختلف القرآن :
هكذا سماه الزركشي في البرهان : النوع الخامس والثلاثون : معرفة موهم المختلف(٤٢)، و سماه السيوطي في الإتقان : النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض.
وقد أخذوا هذا الاسم من الآية وهي قوله تعالى :(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا([النساء : ٨٢].
٣- موهم الاضطراب :
ومن هذا كتاب دفع " إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " لمحمد الأمين الشنقيطي.
وهذا الاسم والذي قبله يتحدث عن نوع واحد من الطعون، وهو التناقض في الآيات، مع أن الطعون لها أنواع أخر، كنفي نسبة القرآن إلى الله، والطعن في لغته وغير ذلك ؛ لهذا لم أُسمِّ به الرسالة ؛ لقصوره عن شمول جميع أنواع الطعون.
٤- أسئلة القرآن :
أي الأسئلة التي يطرحها بعض الناس بقصد التشكيك في كتاب الله تعالى ؛ ومن هذا : كتاب " البرهان في مسائل القرآن " للجماعيلي المقدسي، و " التبيان في مسائل القرآن " لرضي الدين القزويني، وبعضهم يسميها جوابات القرآن ؛ باعتبار الجواب على هذا السؤال، ككتاب " الجوابات في القرآن " لمقاتل بن سليمان، وبعضهم يجمع بين الاسمين مثل " أسئلة القرآن وأجوبتها " لأبي بكر الرازي.
٥-غامض القرآن :
ومن هذا كتاب " كشف غوامض القرآن " لفخر الدين الطريحي.
٦-مشكل القرآن :
ومن هذا كتاب :" تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة -وبعضهم يسميه " مشكل القرآن"(١)، وهو من أول الكتب المفردة في هذا الفن، وهو مطبوع متداول.
و" فوائد في مشكل القرآن " لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام.
و" مشكلات القرآن " لمحمد أنور الكشميري.
و" مشكل القرآن " للحكيم الترمذي، وهو أكثر الأسماء تداولا بين العلماء على هذا الفن، فقد وجدت ما يقارب العشرين عالما يطلقون عليه هذا اللفظ كما سيأتي(٤٣).
فيتحصل لنا من هذا، أن لهذا العلم سبعة أسماء عند العلماء.
--------------------------------------------------------------------------------
(٣٢) سيأتي في الباب : الأول في مبحث المؤلفات في هذا الفن بيان عن هذه الكتب ومكان طبعها أو ذكرها.
(٣٣) انظر : كشف المعاني في المتشابه المثاني لبدر الدين بن جماعة، (ص : ٢٨) تحقيق مرزوق إبراهيم، دار الشريف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٤٢٠.
(٣٤) انظر : في اختلاف العلماء في تعريف المتشابه بهذا المعنى كتاب الإتقان للسيوطي(٣/٣).
(٣٥) بيروت، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثانية، ١٩٧٧.
(٣٦) والإسكافي هو محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي، عداده في أهل بغداد أحد المتكلمين من المعتزلة، له تصانيف فكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه، مات في سنة ٤٠٢ هـ. انظر : معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت، ( ١/١٨١ ).
(٣٧) دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، ١٤١١ هـ.
(٣٨) والكرماني هو المعمر بدر الدين، أبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد الكرماني، نزيل دمشق، ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة، وسمع في الكهولة من القسم الصفار، وروى الكثير بدمشق، وكان واعظاً، وتوفي في شعبان سنة خمس وستين وستمائة. انظر : شذرات الذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، ( ٣/٣٢٧ ).
(٣٩) هو : عبد الله وقيل : عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا أبو القاسم، الأديب الشاعر اللغوي المترسل، هو من أهل الحريم الطاهرى، وهى محلة بغداد، كان مولده في منتصف ذى القعدة سنة عشر وأربعمائة، وكان فاضلاُ بارعاً، وله مصنفات حسنة مفيدة، منها كتاب"الجمان في تفسير متشابهات القرآن"ومجموع سماه"ملح الممالحة"، وكان ينسب إلى التعطيل، ومذهب الأوائل، وصنف في ذلك مقالة، وكان كثير المجون، توفي في ليلة الأحد من رابع شهر المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن بباب : الشام. انظر : طبقات المفسرين للسيوطى، ( ١/١٤١ ) الطبعة الأولى، القاهرة، مكتبة وهبة ١٩٣٦ م، والمنتظم، لابن الجوزي ( ٩/٦٩ )، طبعة دار صادر، بيروت، سنة ١٣٥٨ هـ، الطبعة الأولى.
(٤٠) تحقيق مصطفى الجويني، دار منشأ المعارف، الإسكندرية.
(٤١) تفسير القرطبي (١٥/١٦٢)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٩٨٨.
(٤٢) البرهان في علوم القرآن (٢/٥٣).
(١) انظر : تأويل مشكل القرآن (٣/٢٠٢).
(٤٣) في مبحث الكتب المؤلفة في هذا الفن بالتفصيل.


الصفحة التالية
Icon