ثم علق - أى السيوطى - على الرواية المنقولة عن عثمان -رضى الله عنه - بقوله: إن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل - المصحف الذى جمعه - إماماً للناس يقتدون به، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها؟
فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ ثم إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً، ولكن كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع فيها جميعاً فبعيد اتفاقها على ذلك، أو فى بعضها، فهو اعتراف بصحة البعض. ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان فى مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف مختلفة قط إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن.( )
ج- هذه الروايات تخالف المتواتر عن عثمان -رضى الله عنه - فى نسخ المصاحف، وجمع القرآن من الدقة والتحرى ونهاية التثبت، بل يردها ما أخرجه أبو عبيد نفسه عن عبدالله بن هانئ البربرى مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلنى بكتف شاه إلى أبى بن كعب فيها (لم يتسن) وفيها (لا تبديل للخلق) وفيها (فأمهل الكافرين) قال: فدعا بالدواء فمحى أحد اللامين فكتب (لخلق الله)( ) ومحا فأمهل وكتب (فمهّل)( ) وكتب (لم يتسنه)( ) ألحق فيها الهاء.( )
كيف يتفق ما جاء فى الرواية التى نقدناها، مع هذه الرواية الثانية التى تصف عثمان - رضى الله عنه - بالدقة فى مراجعة ما كان يكتبه النساخ وتصحيح ما كانوا يخطئون فيه وأنه لم يترك هذه الأخطاء لتقيمها العرب كما تقول الرواية الواهية.
د - وعلى فرض صحة هذه الآثار، فكلمة "لحن" فيها لا يقصد بها المعنى المعروف للحن وهو الخروج على قواعد النحو، وإنما يعنى بها كما يقول العلماء: القراءة واللغة والوجه، كما ورد عن عمر قوله: أبى اقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه - أى قراءته -.( )