وتمتاز القصة القرآنية بالبداية المشوقة كما في سورة الفيل: (الآيات: ١-٥) التي ابتدأت بسؤال مثير للاهتمام: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. فالعرب يعرفون أن لعنة الله قد حلت بأصحاب الفيل ولكنهم بحاجة إلى مزيد من التفاصيل، ثم ذكرت نهاية القصة في بدايتها ألم يجعل كيدهم في تضليل، وما زال الاستفهام قائماً. وكيف كان ذلك؟ فجاءت الإجابة في ثلاث آيات قصيرات مركزات: وأرسل عليهم طيرا أبابيل ٣ ترميهم بحجارة من سجيل ٤ فجعلهم كعصف مأكول ٥.. وهكذا وصفت واقعة الفيل أبلغ وصف، واختتمت بنهاية محكمة أشد الإحكام. وروعة هذه القصة القرآنية ليست في جِدَّةِ موضوعها فهي قصة معروفة عند العرب متداولة بينهم، ولكن روعتها تكمن في القالب الجديد التي عرضت من خلالها وفي أسلوبها الموجز البليغ، فهي تتحدث عن واقعة عظيمة قدمت مختصرة في خمس آيات.
ونجد كذلك التنويع في المقدمات، فسورة الكهف ابتدأت بذكر ملخص كامل لوقائعها، ولكن هل أشبع هذا الملخص الرغبة في معرفة تفاصيل هذه القصة؟ والإجابة: كلا،.. بدليل قوله تعالى بعد ذلك: نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ١٣ ﷺ الكهف: ١٣}، فالقارئ والمستمع يتلهف لمعرفة سبب ذهاب الفتية إلى الكهف وما حدث لهم بعد ذلك.
وابتدأت سورة يوسف بالتشويق الذي بلغ أعلى درجات الإثارة، ففي مستهل القصة وصف الله - جلت قدرته - القصص القرآني بأحسن القصص الذي يخرج الناس من غفلتهم، ثم انتقلت للحديث عن الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام وهذا وحده كفيل بإثارة اهتمام القارئ والمستمع وشوقه لمعرفة تفسير تلك الرؤيا، ثم تحدثنا الآيات عن تحذير يعقوب عليه السلام لابنه من رواية تلك الرؤيا لإخوته. وبعد هذا الاستهلال الرائع للقصة تعود بنا الآيات إلى الماضي لتحدثنا عن تآمر إخوة يوسف عليه، ثم تتسلسل الآيات في رواية قصته كاملة منذ طفولته.


الصفحة التالية
Icon