وعندما أقرأ وصف المحتضر، وهو على عتبات الآخرة، وروحه تودع الدنيا أترك رهبة الصورة تغزو نفسى وأنا مستكين ( فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين ). إن الخائفين من خرافة الحلول يؤولون " نحن " بملائكتنا، وأنا لا أخاف هذه الخرافة وأفهم نحن على أنها نحن، وأوقن أن الله أكبر من أوهامنا القاصرة، وأن قربه لا يحدد بمسافات أو ساعات! إنه قريب كما وصف نفسه تبارك اسمه، ومن السماجة محاولة تفسير هذا القرب بما يوائم حسنا البشرى.. هل أستطيع تكليف رضيع، أن يصف لى عقل " آنشتين "؟ أو تكليف طفل بأن يشرح لى أسلوب العقاد فى عبقرياته؟ إننى أعلم أن الشجرة التى تنبت بجوار بيتى، ينميها فى مغرسها الرب، الذى يرعى الشعرى فى مدارها الغابر فى الأفق، لا يشغله شأن عن شأن ولا يلفته أمر فى الأرض عن أمر فى السماء (ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) فما معنى التساؤل عن كنه الله؟ إنها طفولة جريئة أو تطفل قبيح.. مع أسلوب القرآن فى الحديث عن الله وعن الخلق أمضى، وهو أسلوب يشبع العقل والقلب! أما الذين أمرض قلوبهم الجدل والتطاول، أو أمرض عقولهم التخيل والتقعر، فإننى آبى كل الإباء أن أكترث بهم. كنا فى الصبا الباكر ندرس الآيات المتشابهة وأعصابنا هادئة، ونقلب البصر بين مذهبى السلف والخلف دون تشنج ولا حساسية! وكنا نميل إلى مذهب السلف، عندما تكون القضية فى موضوع، ليسر من ميادين العقل البشرى، ولا مجال لأدواته فيها، ونحن نعلم أن المجال المتاح لنا، هو عالم الشهادة، أما عالم الغيب فإن فكرنا فيه قاصر.. ص _٠١٦