على أية حال كنا نقرأ تاريخنا الثقافى فى موضوع " المحكم والمتشابه " بشيء كبير من الحياد والهدوء، وإن كنا نحس الضيق عندما نتناول الفكر الاعتزالى المتأثر بفلسفة اليونان.. وكان الباعث على ذلك المسلك ما يأتى: ا- أن الآيات المحكمات تناولت عزائم الرسالة، ومعاقد التشريع، ومناهج التربية والتوجيه، ولذلك سميت " أم الكتاب " أما المتشابه فآيات قلائل، لا تتصل بالحلال والحرام أو الواجب والنافلة، بل هى حديث عن الذات الأقدس يمكن إمراره، مادام العقل لا يعترضه..! وكنا ـ منذ نعومة أظفارنا ـ نفرق بين ما يحكم العقل باستحالته، ويجزم برفضه، وبين ما يشعر العقل، بأنه حق، بيد أن إدراك كنهه فوق الطاقة... وأمثلة ذلك فى العالم المادى نفسه فوق الحصر، فكيف بما وراء المادة؟ من أجل ذلك لم نشغل أنفسنا بقصة المتشابه، بل مررنا عليها مرور الكرام. ٢- ثم إن الكمال الإلهى، تعجز لغات البشر كلها عن إدراك كنهه، إننا وضعنا اللغات ولانزال نضعها دلالة على ما نألف ونعرف ونحس ونتخيل، وعندما نتحدث عن الله بلغاتنا، فهو جهد المقل، أو هو وسع العاجز، والله ليس كمثله شئ. ويخيل إلى أن جهازنا العقلى، لا يزيد عن أجهزة الاستقبال المتداولة فى الأسواق، فلو تسلط عليه تيار ذو قوة أعلى لاحترق لفوره.. إن عظمة الله فوق العقول، والحديث عنه تبارك وتعالى من باب التقريب، وقد قيل: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. إننى واحد من خمسة مليارات تسكن الأرض، لكل منا سيرته وسريرته، وهذه الدورة من المخلوقات جزء من مواكب الأحياء التى بدأت من الأزل وستبقى متصلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ما أنا فى هذا الركام الهائل من الأحياء؟ ذرة فى جبل ذاهب فى الطول والعرض؟ ثم ما البشر إلى جانب أمم أخرى، من المخلوقات الزاحفة، والطائرة، والساعية، على قدمين، أو أربع؟ ص _٠١٧