بك ما الأرض كلها، ما عليها ومن عليها، بالنسبة إلى عالم ملئ بالمجرات والكواكب تنتشر هذه الكائنات الضخمة فى فضائه كما تنتشر الرمال على شواطئ البحار.. ؟ إننى فى الملكوت الرحب كائن تافه، ومن التطاول المعيب أن أتجاوز قدرى، وأحاول التعرف على كنه البارئ الأعلى، فى وقت أنا فيه عاجز عن فهم نفسى، واكتناه روحى وبدنى. من أجل ذلك لم أجشم نفسى مشقة البحث فى المتشابه، مكتفيا فى تكوين عقيدتى وتربية نفسى وأداء حق ربى بالآيات المحكمات، فهن أم الكتاب ولبابه..! ٣- أرى أن انطلاق الألسنة والأقلام فى عالم الغيب، وافتعال المعارك حول المتشابه ـ سلبا أو إيجابا ـ هو لخدمة الاستبداد السياسى، بل هو قرة عين الحكم الفردى، فإن خلافا حارا أو باردا، حول رؤية الله سبحانه وتعالى، أحظى لدى الخلفاء غير الراشدين من الخلاف حول أصول الحكم وسياسة الجماهير..! وقد انتقل ذلك الخلاف إلى ميدان الفقه، فشغل الشعوب بفروع العبادات، عن سياسة الحكم والمال، وعلاقة الأمة بغيرها، وكيف تقدر على أداء رسالتها العالمية.. واستحياء الخلاف القديم بين السلف والخلف فى عصرنا هذا، ليس إلا مضيا فى تضليل المسلمين عن رسالتهم الكبرى، واستبقاء علل التخلف الخلقى والاجتماعى بينهم! وقد حاول الشيخ محمد عبده فى " رسالة التوحيد " التى ألفها فى العقائد أن يجعل الخلاف لفظيا بين شتى الخصوم! وأن ما ينكره هؤلاء غير ما يقره أولئك، إذ الكل متفقون على تنزيه الله، وتقديس ذاته، والحق أن الخلاف كثيرا ما يكون ضربا من الجدل السخيف، أو اللعب بالألفاظ.. وأعود إلى دراستنا الأزهرية التى كنا نتلقاها، والتى أفدنا منها الكثير، وخير تصوير لها ما ذكره النووى ـ رضى الله عنه ـ بأمانة وإيجاز! عند شرحه لحديث: " أتانى ربى فى أحسن صورة.. "، قال: ص _٠١٨