وقد تراهم يكتبون بالخط الكبير أخبارا صغيرة! وقد يسقطون أنباء شعوب ودول طالت بيننا وبينهم الشقة. وقد يسجلون الأخطاء الواقعة دون التصويب الواجب... ومازلت ألحظ حتى يومنا هذا، خطايا تدفن كان على التاريخ أن ينشرها، بيد أن رهبة السلفة ألجمت الأفواه...!! ومازلت ألحظ روائع للإيمان الحى، والدعاة الأيقاظ، والمجاهدين المصابرين المحتسبين، يهال عليها التراب كأن غمط الرجال مطلوب..! وفى أيام الهزائم التى عرضت للرسالة الإسلامية كانت هناك مقاومات بطولية أحبطت مؤامرات كبيرة وأنهضت الدين من كبوته أو من تفريط حملته، ومع ذلك فإن أبطال المقاومة من العلماء ومن الجنود، ذهبوا إلى الله لا يعرفهم إلا قليل... والآن نسمع أن ألوفا من الأوروبيين دخلوا فى الإسلام، وأن ألوفا من الزنوج فى إفريقية والهنود فى آسيا، اعتنقوا الدين المستوحش من الأنصار، وآثروه على دعوات المبشرين الغالبين! والغريب أن ذلك كله يطوى فى صمت، بل إن جمهورا من المسلمين المثقفين لا يدرى كم عدد المسلمين فى وطنه؟ فضلا عن عدد المسلمين فى العالم! من أجل ذلك قلت : لابد من فقه التاريخ وفلسفته! ولابد من محاكمة نشاطه البشرى إلى النصوص السماوية التى سار باسمها! ولابد من تنحية الأخطاء التى التصقت به وهو برئ منها... إن مرور الزمان على الأخطاء لا يصححها ولا يقدم لها عذرا، بل نحن فى معترك المذاهب والمبادئ الحديثة أحوج ما نكون إلى ميز الحق من الباطل، والطيب من الخبيث كى لا يشوب وحى الله شئ من أهواء السلاطين ونزغات الشياطين. لقد تحمل الإسلام فى صدر تاريخه أخطاء وخطايا، واستطاع الغلب عليها، والنجاة من غوائلها، لكن العالم الإسلامى فى قرنه الخامس عشر تتجمع فى ربوعه بقايا شتى من انحرافات مضت.. وليست المشكلة فى نظرى الهزائم العسكرية التى جعلت بعض المسلمين يدور فى الفلك الشرقى، والبعض الآخر يدور فى الفلك الغربى. ص _١١٠


الصفحة التالية
Icon