الصلح فى أعصار طويلة تمر على حساب الدين نفسه، فما أنصف الإسلام ولا قمع خصومه!! وما وقع مخالفا للإسلام يجب إنكاره لا إقراره، وهل يجوز أن تضيع حقوق الأمة المسلمة، وتغتصب المناصب الكبرى؟ إن الإسلام رحمة للعالمين، ولم ينزل الوحى الأعلى ليحكم باسمه ناس دون جدارة حتى ولو أهدروا كل حقوق الأمة المسلمة… لكن هكذا طويت الشورى، ووئدت الحريات الشريفة، وأمسى الأمر نصيب الشطار والدهاة... وصحيح أن أعدادا من المؤمنين الكبار رأوا تضييق الفتنة، حتى أن الحسين بن على فى محنته، عرض أن يرسل إلى الميدان؟ ليجاهد الروم تحت لواء القيادة المتغلبة! وصحيح أن جمهورا من السلف الصالح، صلى وراء أئمة الجور، ورأى أن يخدم الإسلام بعيدا عن معركة رآها وضيعة! على أن شيئا من هذا لا يجوز أن ننسى معه المبادئ التى ديست، لاسيما فى هذا العصر الذى علت فيه الصيحات ضد الاستبداد السياسى، وبعد قرون كادت فيها روح الإسلام، تخمد تحت وطأة الحكم الفردى، ومفاسده المتوارثة... ومن آفات الحكم الفردى، أنه يجمع المال من كل وجه، غير مبال بحل أو حرمة.. وقد استغرب أولو الألباب ما وقع أيام الأمويين، وهم يعاملون البلاد المفتوحة، فقد أسلم أهل خراسان، ودخلوا فى دين الله أفواجا، كما أسلم أهل مصر، وكثر معتنقو الإسلام فيها، غير أن بعض الولاة هنا وهناك استبقوا الجزية على الذين أسلموا! أهذه سيرة دعاة أم سيرة خطافين؟ ثم جاء الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، فألغى هذه السياسة... والحاكم المستبد أشد غيرة من المرأة الوالهة، وهو يكره العظماء من القادة والساسة والعلماء والأدباء، وإذا قبلهم فليلتحقوا به أذنابا، والعظيم المستلحق لا بأس أن يكون ذيل الطاووس، إنه ذيل على كل حال، ولا يقتل أبدا أن يكون عرف الديك. هذا هو السر وراء مصارع القادة الكبار الذين فتحوا المشرق والمغرب، فقد كره الحاكم المستبد أن يحيا إلى جواره رجال لهم أمجاد ومفاخرة قد يدلون بها..


الصفحة التالية
Icon