وفى هذه البيئة انفصل العلم عن الحكم، ووقعت بين الفقهاء والساسة جفوة ص _١١٣
شديدة. وقد كان هوى أبو حنيفة ومالك ـ رضى الله عنهما ـ مع الثائرين المتمردين. فأما أبو حنيفة فقد رفض كل تعاون مع الدولة، وظل على موقفه حتى مات فى السجن.. وأما مالك فقد ابتعد بأدب، ورأى أن يخدم الإسلام بين عامة الناس دون اشتباك مع الحكام، بيد أن الفتوى فيما يقع من هؤلاء الحكام جعلته يعالن ببطلان الأيمان التى تؤخذ لأولياء العهد، فجوزي على ذلك بالضرب حتى كسرت ذراعه! تم اعتذر الخليفة له بعد ذلك..! وللانفصال بين العلم والحكم آثار عميقة فى تاريخنا الثقافى والسياسى قد نشرحها بعد قليل، لكننا الآن نشير إلى ما عرف عن بعض الأسر الحاكمة من تعصب للعرب! التعصب للعرب : يجب أن يعرف العرب أنهم يعزون عندما يعز الإسلام، فإن هذا الدين بلغتهم جاء، والنبى الخاتم مختار من بينهم، وقبلة الصلوات فى أرضهم! أليست هذه نعمة سابغة، أما ينبغى أن يشكروا الله عليها؟ وأن يترجموا هذا الشكر إلى نسيان لأنفسهم، وتفان فى نشر دينهم؟ ومادام القرآن بلسانهم والعلم من تراثهم فهم قادة الناس! ولن ينازعهم هذا الفضل إلا من سبقهم فى ميدانه.. ويظهر أن بعض الأسر العربية التى حكمت، وغيرهم من الأعاريب ظنوا الإسلام قطارا يحملهم إلى مآربهم، ويرجحهم على غيرهم، بل لقد جاء فى عصرنا هذا من ظن العرب بغير الإسلام شيئا له قيمة، والقضية كلها نتيجة محتومة للجهل بالإسلام، والانسياق مع عصبيات الجاهلية، والعجز عن أعباء التقدم وتكاليف الرجولة! وما أحقر إنسانا يريد لنسب مزعوم أو جلد أبيض أن يتقدم الكادحين والناجحين! لقد رأيت قادة التبشير العالمى ـ وهم يزينون أوهامهم وخرافاتهم ـ ينصبون نفرا من الزنوج أساقفة وكرادلة، ويتركون لهم رياسة الجماهير، أفلا يستحى حملة الحق من فرض جنسهم على الناس، وتقديم أشخاصهم دون سبب؟ ص _١١٤