قصة العلم والحكم فى تاريخنا: ونعود إلى قصة العلم والحكم فى تاريخنا، إن منصب الخليفة تلتقى فيه العبادة والدعوة والجهاد ورعاية شئون الدنيا والآخرة، ولأمر ما كان الإمام العادل أول من يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله! ولأمر ما كان يوم واحد من أيامه أفضل من عشرات السنين فى عمر عابد يحيا وحده!! إن خيراً لا حدود له، ينشأ من صلاح الحاكم، وعبقريته فى حراسة الحق، وخذلان الضلال!، وإنصاف الجماهير، وتحقيق المثل العليا.. ومن القصور أن نتصور الحاكم المسلم شخصا بارزا فى علوم الشرع، أو قادرا على ضروب الفتوى. بحسب الحاكم المسلم أن يعرف من علوم الدين ما تكمل به عقيدته، وتصح عبادته، وتشرف أخلاقه، وتستقيم به معاملاته للناس، وليكن طبيبا أو كيماويا أو مهندسا أو أديبا... إلخ، المهم أنه فى منصبه الكبير يحسن الاستعانة بأهل الذكر فى كل فن، ويحشد حوله من المستشارين من يشرحون له الغوامض، ويدلونه على المصلحة العامة، ثم هو مع ذلك كله يعيش فى جو من الشورى الأمينة الذكية، ويحس أن مكانه عند الله وعند الناس بمدى ولائه لقواعد الحكم وأمانات الناس!! وهذا الذى ذكرنا قد لا يتوفر لمن يرفعه إلى دست الحكم أب أو أم عندما يفقد مؤهلات الحكم مهما كانت عراقة النسب، والاقتراب من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فليس فى الإسلام أن يكون العباس أصلا لدولة عباسية، ولا أن تكون فاطمة أصلاً لدولة فاطمية، هذا كله من أهواء الناس وشهوات المفترين على الله، ولا يغترن عاقل بالواقع المريب، وإن غلب على عصور طوال. (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) [المائدة: ١٠٠] ولقد كانت ا لأمة الإسلامية قديرة على أن تؤدى رسالتها بأشرف وبأجدى مما حدث، لكن ضياع أمانات الحكم واحتكار بعض الفئات للسلطة، وشيوع الجهالة بين من تولوا الخلافة وما دونها من المناصب، ألحق بأمتنا خساراً كبيرا.. ص _١١٥