وسياسية، ولعل عاطفتهم الحارة بعدما اعتنقوا الإسلام وقادوه، كانت لها آثار متضاربة. أذكر أن جنديا تركيا أحس، وهو نائم، أن المصحف فى النافذة التى تتجه إليها أقدامه فوثب من مرقده فزعا، وامتشق حسامه، ووقف بقية الليل يقول: مصحف شريف..!! إننى أحسست الاحترام والحب للجندى، الذى يلوم نفسه ويؤدبها.. وقد أثبت فى مكان آخر ما رأيته بعينى من الأستاذ "محمد فريد وجدى"، وكنت جالسا فى مكتبه بالأزهر بعدما تولى رياسة التحرير لمجلته، رأيته يضع القلم الذى يكتب به ثم يتناول قلما آخر، ثم يعود إلى القلم الأول! فقلت له: ما تفعل؟ قال: لا أكتب آيات القرآن الكريم بالقلم الذى أكتب به مقالتى، لآيات الكتاب العزيز قلم خاص!! هذه عاطفة لها وزنها، انحدرت إلى الرجل الكبير من أصله التركى.. إن الأتراك ـ بل جملة الأعاجم ـ ينتظمهم ولاء حار، وشعور مفعم بالحب لله ورسوله. ولاشك أن غيرتهم على الإسلام ولسخطهم على ما فعل خصومه بأمته كانا من وراء السيل الدافق الذى دفع جموعهم إلى الانقضاض على جرثومة العدوان فى القسطنطينية والإتيان على الوجود الرومانى فيها، والثأر لدمار بغداد، ونقل الحرب من دار الإسلام إلى أقطار أوروبا نفسها، وتأخير ا لاستعمار الأوروبى عدة قرون عن أراضى العرب، كما قرر ذلك المؤرخ الإنجليزى " توينبى "! ما أغنى الناس عن القتال لو أنهم آثروا الإنصاف! لكن للإنصاف عند الأوروبيين تفسيرا آخر! إذا قتل الرومان عربيا فى الجزيرة، أو مصريا فى وادى النيل، فلا يجوز التعقيب على ذلك.. أما إذا دافع العربى عن فلسطين، وقاتل الغزاة، فهو إرهابى يطارده القانون الدولى، وتدينه الصليبية المقتدرة! بم نواجه هذا المنطق؟ الاستمساك بالدين تعصب، إذا كان الدين هو الإسلام، الذى يريد البقاء! أما الاستمساك بأى دين آخر، فشئ يتبع حرية العقل والضمير، لا يجوز السؤال عنه..!! ص _١٢٠


الصفحة التالية
Icon